وأما هي فقالت:(قليلا يا صاحبي، لست حلاً لك وأنت على ذاك الدين، فأسلمني لربي أو أسلم معي. . لن تكون زينب لك بعد اليوم إلا أن تؤمن بما آمنت!)
واصطرعت في نفس الزوج المحب قوتان تتجاذبانه: حفاظه على ذلك الدين الذي أورثه آباؤه، وذلك الحب الطاغي المستبد الذي يحاول أن ينتزع امرأة مسلمة من دينها الذي آمنت به. . وأطرق الزوجان ساعة، ثم التقى النظران. . . وفرق الدين بينهما جسدين، وظل قلباهما مؤمنين بالحب؛ وعاشا يظلهما سقف واحد ولا يلتقيان إلا نظرات. . . وتصرمت سنون. . .
ودعت قريش إلى النفير العام:(يا أهل مكة، إلى بدر، إلى بدر؛ إن محمدا وأصحابه قد وقفوا لتجارتكم على الطريق بين الشام ومكة، فرُدوا عليهم كيدهم. . .!)
وخرج أبو العاص فيمن خرج من المشركين إلى لقاء محمد وأصحابه في بدر، ليُجازوهم بما اعتدوا؛ وظلت زينب في دارها تنتظر. . . إن هنالك قوتين تصطرعان، وموجتين تتدافعان، ما تدري لأيهما تتمنى الغلبة، بلى؛ إنها لتدري، فهنالك أبوها محمد، لو لم تحببه وتتمنّ له النصر لأنه أبوها، لأحبته وتمنت له النصر لأنه رسول الله، لأنه قائد جيش الإسلام، لأن إلى جانبه في الصف أخوتها في الله. . . ولكن. . . ولكن زوجها. . . وجلست تدعو الله: اللهم اجعل الدائرة على المشركين، ولكن نج أبا العاص. . .!
وعاد الركب المنهزمون ينبئونها:(يا زينب، لقد دارت علينا الدائرة، ونال منا المسلمون كلّ منال، يا زينب، ولكن أبا العاص في الأسرى، لا ندري ماذا سيفعل بهم أصحاب محمد. . .!)
فما توانت الزوجة الوفية هنيهة؛ لقد كان لديها من مال زوجها ما تفتديه به، لديها المال والنعم، ولكنها نظرت أمراً. . . ورفعت يدها إلى صدرها فخلعت قلادتها، ثم شيعت بها الرسول يفتدي بعقد خديجة ابن أخت خديجة وختَنَ محمد. . . وجعلت هدية عرسها من أمها مهر الحرية للزوج الذي فقدته مرتين. . .
وذهب رسول زينب يسعى عن أمرها حتى وقف على محمد:(يا محمد، هذا مال من مال أبي العاص، وهذه قلادة خديجة بنت خويلد، بعثتني بهما زينب في فداء أبي العاص. . .!)
ونظر رسول الله إلى القلادة نظرةً جمعت له الزمان كله في لحظة فكر، واحتشدت صور