لكل مجتمع علله وآفاته، ولكننا إذا استعرضنا علل المجتمع الأوربي كانت هذه العلل خاصة بمجتمع قد تهيأت له جميع المشخصات القومية، وتجلت مظاهر الضعف فيه. أما المجتمع المصري، فهو مجتمع في طور الانتقال. وقد بدأت مرحلة الانتقال هذه منذ بداية القرن التاسع عشر، ولم تنته إلى اليوم، في حين أن شعباً كالشعب الياباني قطع فترة الانتقال في سنوات.
فما لاشك فيه، مثلاً، أن اللغة قد قطعت شوطاً في طريق التقدم والدقة والمرونة، فتركنا السجع والإطناب وما إليهما، ونحت الكتاب ألفاظاً جديدة ردت إلى اللغة شبابها وبهاءها، ولكن اللغة لا تزال بعيدة من غاياتها، ولا تزال في حالة انتقالية ظاهرة، كما لا يزال تعليمنا العالي في الأزهر والجامعة، وكذلك محاكمنا وقوانيننا مزيجاً من تعاليم القرون الوسطى والعلم الحديث، كما أن حركتنا النسائية بتجاذبها عامل الرجعية والعزلة والجمود من ناحية، وعامل الطفرة والمطالبة بإلغاء نون النسوة من ناحية أخرى.
ومعلوم أن كل حركة تتجاذبها عوامل متضادة، ولا تجد قادة يدفعونها بقوة في طريق الانتقال والتجديد، لابد أن تضطرب في سيرها، وأن تتعثر وتتباطأ ويختل نظامها.
وهذا الاضطراب، أو التردد، يعتور جميع حركاتنا الاجتماعية، لأن قادة الرأي مختلفو الأمزجة ووجهات النظر، ولم نسمع مرة إن مفكرينا وضعوا أساساً ثابتًا لإقامة أي إصلاح؛ بل يغتبط كل منا مطبوع على الأنانية وحب التفرد والظهور بأنه صاحب المشروع الفلاني، فيجب أن يسجل التاريخ باسمه - فرداً كان أو حزباً - ذلك المشروع. إما كيف يدرس المشروع، وكيف ينفذ، وهل ينفذ دفعة واحدة، أو على مراحل، وهل يراعي في تنفيذه الحال والمستقبل، وارتكازه على قواعد من البيئة والظروف، فهذا كله في المحل الثاني وهانحن أولاء قد أنشأنا جامعة فؤاد في القاهرة، ثم أنشأنا جامعة فاروق في الإسكندرية، ونفكر في إنشاء جامعة ثالثة في أسيوط دون أن نتأكد من أن أولاها بلغت الكمال كله أو بعضه، وحققت أغراضها في خدمة العلم الصحيح. وقد أنشأنا في إحداها صالة احتفالات بلغت تكاليفها، فيما يقال، مائة وأربعين ألفاً من الجنيهات، بينما يشقى