(هذا عنوان نرجو أن نكتب تحته في الحين بعد الحين كلمات
موجزة في معان شتى، وإن في الإيجاز لبلاغاً لقوم يعقلون!)
الضمير
سر غريب، وروح عجيب، أودعه الله الإنسان فجعل منه قوة مسيطرة عليه، متصرفة فيه، لا يملك لها دفعاً، ولا يستطيع منها تخلصاً، ولا يجد من دونها موئلاً!
آمنت بك يا رب! خلقت الإنسان ضعيفاً، وركبت فيه نوازع الشر والخير، ثم قلت له بلسان قدرتك: اعمل ما شئت فقد جعلت عليك رقيباً لن تغيب عنه ولن يغيب عنك، وليس إلى مصانعته أو مخادعته من سبيل!
آمنت بك يا رب! هم ينكرون حسابك في الآخرة وأنت تحاسبهم في الدنيا، وهم يتساءلون: كيف يكون لابن آدم معقبات من بين يديه ومن خلفه؟ وأنت جعلت له معقباً في قرارة نفسه
ولكن يا رب سؤال غير معترض عليك، ولا معقبٍ على حكمك: هل جعلت هذا الضمير أداة عذاب، وكتبت به على فريق من الناس أن يظلوا منه في حرب عوان مع هذه الدنيا الملتوية؟ إن الباطل، يا رب، قد استعلى على الحق، وطغى على الخلق؛ وإن الرجل ليصدع بكلمة الصدق فَيُتخذ سِخريا، ويكون أُضحوكة الضاحكين، وأٌ ندورة المتندِّرين، وإن الكاذب الخادع ليلتوي ويتخابث فيشق طريقه بين الناس في أمن وطمأنينة وسلام!
لقد أصبح الباطل معمّاً في الناس مُخوِلا، وأصبح الحق يتيما لطيما! فماذا يفعل امرؤ ذو ضمير يدعوه إلى الإخلاص في عمله والفناء فيه، وهو يرى البيئة الفاسدة عدوّاً له، وحرباً عليه؟ ماذا يفعل إذا استحثه ضميره على السير في طريق الخير قدما وهو يرى القافلة كلها تسير في غير الطريق؟ أيبطل مع المبطلين، ويفسد مع المفسدين؟ وأنَّى له ذلك وهو امرؤ ذو ضمير؟ أم يصادم ويقاوم ويثور ويغضب ويجادل ويناضل؟ وكيف يأمن مع ذلك على نفسه وخلقه؟ ومتى يذوق طعم الراحة؟
(ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب!)