للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[قنطار ثمين]

للأستاذ عباس محمود العقاد

رأيي في الجسم الجميل أنه الجسم الذي لا فضول فيه، وأنه الجسم الذي تراه فيخيل إليك أن كل عضو فيه يحمل نفسه، غير محمول على سواه

من هنا جمال الرأس الطامح، والجيد المشرئب، والصدر البارز، والخصر المرهف الممشوق، والردف الماثل، والساق التي يبدو لك من خفتها وانطلاقها واستوائها أنها لا تحمل شيئاً من الأشياء، ولا تنهض بعبء من الأعباء

بل من هنا جمال الحيوان الأعجم، وجمال المهر الكريم وقد اختال بعنقه وشال بذنبه، وضمر بدنه وأصبح في جملته كالكلام المختصر المفيد، أو الكلام المختصر البليغ، لأنه يبلغ حيث شاء

كان هذا هو الرأي المصري في الجمال قبل ببضعة آلاف من السنين، أيام كان المصريون سادة في الحياة وكان المثال الفائق عندهم لجمال الرجولة والأنوثة ما نراه على الهياكل من صور الرجال والنساء

ولم يكن هذا هو الرأي المصري في الجمال قبل بضعة أجيال، يوم ركد المصريون ركود البطء والكسل فأصبحت الكثافة الواهنة عندهم مقياس الملاحة والقسامة، وأصبح جمل المحمل و (التختروان) مثال الحسن المطلوب في النساء: تعلو المرأة السمينة وتهبط في مشيتها وما تنتقل شبراً في أقل من خطوتين، والمقرظون من حولها يهللون ويكبرون ويباركون الخلاق العظيم ويعوذون هذا الجرم الذي لا تمضي فيه السيوف من لحظات العيون، ومن حسد الحاسدين!

العالم كله يثوب إلى مذهب المصريين الأقدمين في جمال النحافة والرشاقة والنسج الدقيق، ومن العالم كله المصريون المحدثون

وشاع هذا المذهب بعد الحرب العظمى أشد من شيوعه في زمن من الأزمان، حتى غلا بعضهم فأوشك أن يلتمس الجمال في الهياكل العظمية، وهي على أية حال أجمل من هياكل الشحوم واللحوم!

أهي نفحة من نفحات الفن العلوي هبت فجاءة على أذواق الناس في العالم كله فأصبحوا

<<  <  ج:
ص:  >  >>