للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[أدب السندوتش]

لعلك تقول لنفسك سائلاً أو هازلاً ما علاقة الأدب بالسندوتش؟ ولو

كنت أريد الأدب الذي تعارفه أولو الجد من الناس لأعيا نفسك وأعياني

أن ندلك على هذه العلاقة. ولكنني أريد الأدب الذي تتأدبه ناشئة اليوم؛

والسندوتش أو الشطيرتان بينهما الكامخ كما يريدون أن نقول، لقيمات

تشتريها وأنت واقف في المطعم، وتأكلها وأنت ماش في الطريق،

وتهضمها وأنت قاعد في المكتب، فلا تجد لها بين ذهول العجلة وتفكير

العمل هناءة في ذوقك ولا مراءة في جوفك. وهذا الضرب من الطعام

القائم على القطف والخطف جنى على الأسرة فحرمها لذة المؤاكلة

ومتعة المنادمة وأنس العشرة؛ وجنى على المائدة فسلبها فنها الطاهي

وذوقها المنظم وجلستها البهيجة؛ وجنى على الصحة فأضعف الشهوة

وأفسد الهضم ونقص العافية. والثقافة الأدبية اليوم لاتختلف في سرعتها

وتفاهتها وفسادها عن هذا النوع الجديد من الأكل، فهي نتفات من

الكتب، ولقفات من الصحف، وخطفات من الأحاديث، ومطالعات في

القهوة أو في الترام أو في السرير يلقط الكلم فيها النظر الخاطف، كما

يلقط الحب الطائر الفزع، ثم نتاج مختصر معتسر كجنين الحامل

أسقطته قبل التمام، وصراخ مزعج في أذني هذا السقط ليستهل وهو

مضغة من اللحم المسيخ لا تشعر ولا تنبض، وأصبح مآل غرفة

المكتب في البيت كمآل غرفة الطعام وقاعة الجلوس فيه، بغى عليها

سندوتش الصحيفة كما بغى على هاتين سندوتش البار والقهوة

يقول أنصار السندوتش في الحياة: إن المائدة لا تتفق مع الزمن الدافق والعمل المتصل

<<  <  ج:
ص:  >  >>