قلت فيما سبق إن رجال الجامعة لم يصنعوا شيئا في تجديد البلاغة العربية، غير
أن ملئوا غرف الدراسة، وأذهان الطلاب بالطعن على المتقدمين، والتنويه بقصورهم، فلننظر فيها بين أيدينا من كتب لنرى مصداق ذلك. في سنة١٩٣١ ألقى فضيلة الأستاذ الشيخ أمين الخولي محاضرة في الجمعية الجغرافية الملكية وسماها (بحثا تاريخيا تجديديا) تحدث فيها عن صلة الفلسفة بالبلاغة العربية، وتكلم طويلا عن نشأة البلاغة وتطورها والمدارس التي احتضنتها، ثم تحدث عن الدراسة في كلية الآداب ودعا إلى تجديد البلاغة تجديداً شاملاً وكان مما قاله (وهي - يعني الكلية - في إخلاص المجدد المستنير بالتاريخ تستطيع أن تختط طريق الدرس الفني وتجعله واضح المعالم مغايراً لطريق البلاغة التي سميناها البلاغة العلمية، كما عزمت على أن تتلاقى ما كان من أثر الفلسفة في تجدد البلاغة وقصور بحثها، لأن إلزامها حدود دراسة الجملة قد حرمها من أبحاث ضرورية للفن الأدبي، أبحاث نراها في بلاغات اللغات الحية ويحب أن نتناولها بالدرس، ومن تلك الأبحاث البحث في الأسلوب واختلافه وأوجه تفاوته، ومزايا أنواعه المختلفة، ومن ذلك البحث فيما وراء المغنى الجزائي - تشبيه، استعارة - كناية - من معنى كلي وعرض يقصد إليه الأديب. . . الخ)
أبحاث كثيرة يدعو الأستاذ إلى تناولها بالدرس، وبذلك يجدد البلاغة العربية.
ظفر في فم الأماني حلو ... ليت منه لنا قلامة ظفر
وتمضي خمسة عشر عاما كان يمكن أن ترى فيها أثرا لهذه الدعوة، ولكنا نفاجأ في سنة ١٩٤٦بكتاب للشيخ أمين يسميه (فن القول) ويقول في الصفحة الرابعة منه (إني أحس إحساسا قويا عنيفا بحاجة حياتنا الأدبية واللغوية إلى دراسات كثيرة واسعة لم نقم بها، ولا هيأنا السبيل لإتمامها؛ ولو استطعنا أن، نعرف بها ونقنع بضرورتها، وندفع بمحاولات أولية فيها لنخلق الجيل الذي يقوم بها ويتمها فذلك خير ما نسدي لعصرنا، وجل ما نؤدي به واجبنا. ولن أظن لحظة أننا قد أوفينا في ذلك على الأمل المرجو، والمثل المنشود أبدا،