كان من حظ لبنان أن هبت عليه ريح الثقافة اللاتينية بعد الحرب الكبرى، فدبت في أرجائه حياة أدبية جديدة نفخت في أبنائه روحاً طوحاً، فذاق المتعلمون منهم أطيب ثمار الآداب الفرنسية؛ ومنها فن القصة الذي كان له في نهضة فرنسا الحديثة تأثير كبير سايرها في شتى مناحي الحياة. وليس بغريب أن يسمو فن القصة في أمة ناهضة استيقظت على صرير الأقلام الحرة، فقد عرف قادتها في الرأي والتفكير كيف يشقون الدروب للموهوبين في القصة والأقصوصة فكرموهم اجمل تكريم وضمنوا لهم حياة راضية حفزتهم للإجادة بالتنافس، فتسابق البارعون منهم إلى المجامع العلمية والندوات الأدبية يرفعون إليها قصصهم لينالوا جوائزها المعدة للفائزين.
وأولى هذه الجوائز التي ظهرت في فرنسا اعترافاً بالسمو الأدبي جائزة غونكور، وما تزال موضع رجاء يتطلع إليه الأدباء بلهفة وإكبار. وقد تعد لديهم أعلى مكانة وأرفع قدراً من مقعد خالد في الأكاديمية. وهناك جائزة فمينا وميركورد وفرانس والشاعر مالارميه، كما أن المجمع الفرنسي يهب كل عام آلاف الفرنكات للمجيد في كتابه القصة.
ليس بعجيب كما أسلفت إذا كانت الأمة الفرنسية تعني وهي في أوج مجدها بالفن القصصي وتحذو حذو الروس لتمهيد السبيل لعباقرة الرواية الذين استطاعوا أن يخلقوا بفنهم الرفيع آفاقاً جميلة تعيش فيها جماعات وأفراد تترفع عن الإسفاف وتدنو من الكمال، إذ ليس مثل القصة وسيلة لسرور الأسرة ورفعة الوطن ورقي المجتمع. ويحق للقصة أن يسطع نجمها في الآداب العالمية لأنها اصدق مصور للحياة بأفراحها وأتراحها، تؤدي أغراض الإنسانية المنوعة على الوجه القريب الكامل، وتبث في النفوس ما ترمي إليه من أهداف وآراء بسهولة وإغراء.
ولقد تأثرت ناشئة لبنان في عهده الجديد بآداب الفرنسيس الطريفة فذاقوا حلاوتها، ونشقوا عبيرها، وكان من إقبالهم عليها وفهمهم إياها ما نراه اليوم من شغف ظاهر بفن القصة ومحاولات موفقة في إنشاءها وترجمتها، وتوجيهها إلى الصدق والإبداع.
إذن لم يشهد لبنان نهضة في الفن القصصي إلا منذ عهد غير بعيد لأنها في أدبه العربي