الحديث وليدة الأمس القريب، وكما يكون كل عمل في أوله غثاً وكل غيث قطراً، فكذلك ابتدأت القصة حياتها في لبنان، وكان أول من اطلع من أفقه شمسها في نهضتها الحديثة كرم ملحم كرم، فقد انشأ مجلته (ألف ليلة وليلة) لتكون عاملاً قوياً في بناء القصة العربية، فكان يزجي لقرائه كل أسبوع هدية أدبية إما من وضعه أو تعريبه، وما يزال هذا دأبه منذ عشرة أعوام ونيف، ولكنه برغم ما أوتي من موهبة فنية مرهفة ولسان عربي مبين لم يطبع قصصه الأسبوعية إلا قليلا بطابع الآداب الرفيعة، فقد دعته مساوقة اكثر القراء إلى أن ينزل بقصصه إلى مراتبهم ووفق متناولهم من ثقافة أو معرفة؛ وعذيره في ذلك أنه يقدم للمجموع ما يفهم ويرغب ويعود عليه بما يثبت قدمه في عمله الصحافي. فلو أن الحكومة اللبنانية تسير على غرار الحكومات في الغرب فتخصص الإعانات المالية والجوائز للكتاب الذين لهم في يقظة الشعب وتغذيته وإصلاحه أكبر الأثر كي يتوفروا على أعمالهم الأدبية ويخلوا إلى تجويدها والتفوق بها بسكينة واطمئنان للمعاش - لكان هذا الأديب زعيم القصة بلا منازع في نهضتها الحديثة بلبنان. بيد أن الأستاذ كرماً مع انهماكه بجهده المرهق الموزع بين الصحافة والأدب استطاع أن يخلد فنه القصصي في روايتيه (صرخة الألم) و (المصدور) وبعض أقاصيصه البارعة التي كفلت له منزلة القصصي العربي في عصرنا الحديث. على أن مجهوده في سبيل القصة بلبنان سيسجله تاريخ هذا الفن العريق بأحرف من نور. ولن ينسى فضله المنشئون المخلصون الذين عرفوا من تأليفه وتعريبه معنى القصة فسلكوا سبيله، بالاقتداء والاحتذاء، فكان له فضل البادئين السابقين إلى توجيه الفن القصصي اتجاهه الراهن.
وحين ملأ الأستاذ كرم أجواء لبنان وبيئاته بشذا رواياته قام نفر من نوابغ الكتاب ينشرون القصة والأقصوصة في معناها الحديث. وهذه الطائفة من الأدباء وفقت في محاولتها ففتحت في الأدب القصصي فتحاً مبيناً، إذ اتسع أفقه وتوفرت موضوعاته ورأينا من اجله حدباً عليه وتشجيعا لكتابه، فقد أقامت مجلة (الدهور) البيروتية مباراة للأقصوصة عام ٩٣٤ فاز بجائزتها الكاتب فؤاد الشايب وهو من أدباء الشام الذين يملئون ما يكتبون بأدب الصراحة والحياة.
وفي العام الماضي تبرع الشاعر يوسف غصوب بجائزة للأقصوصة العربية في جريدة