[بمناسبة ذكرى شوقي]
شوقي وتاريخ مصر
للأستاذ أحمد أحمد بدوي
كان لتاريخ مصر القديم، وما خلفه بنوها من آثار خالدة ما بقي الزمن، أثر بالغ في نفس شوقي، ملأها بالإكبار والإعجاب بمقدرة المصريين القدماء، وما بلغوه في ميادين الحضارة من رفعة ونهوض، وبدأ هذا الأثر واضحاً جلياً في شعر شوقي، فهو لا يكاد يذكر مصر القديمة إلا محاطة بهالة من الإجلال والتكريم، وها هو ذا يستقبل طياراً وافداً على مصر، فيوصيه بأن يؤدي لمصر ما هي جديرة به من تعظيم وإكبار فيقول:
يا راكب الريح، حي النيل والهرما ... وعظم السفح من سناء والحرما
وقف على أثر مر الزمان به ... فكاد أثبت من أطواره قمما
واخفض جناحك في الأرض التي جملت ... موسى رضيعا، وعيسى الطهر منفطما
وأخرجت حكمت الأجيال خالدة ... وبينت للعباد السيف والقلما
وشرفت بملوك طالما اتخذوا ... مطيهم من ملوك الأرض والخدما
هذا فضاء تلم الريح خاشعة ... به، ويمشي عليه الدهر محتشما
ونظم قصيدة كبرى ألم فيها بالحوادث الكبرى التي ألمت بهذا الوادي العزيز، فكان إذا مر بعصر من عصور المجد والازدهار، امتلأ فخراً وتيهاً، ومضى يسجل هذا المجد في أسلوب تملؤه الحرارة وقوة الحياة. وها هو ذا في تلك القصيدة، يتحدث عن عصر بناة الأهرام فيقول:
وبنينا، فلم نخل لبان ... وعلونا، فلم يجزنا علاء
وملكنا، فالمالكون عبيد ... والبرايا بأسرهم إسراء
قل لبان بني فشاد فغالى ... لم يحز مصر في الزمان بناء
ليس في الممكنات أن تنقل الأج ... يال شماً وأن تنال السماء
أجفل الجن عن عزائم فرعو ... ن، ودلت لبأسها الآناء
شاد ما لم يَشد زمان ولا أنش ... أعصر، ولا بني بناء
فإذا مر بعصر مظلم امتلأ شعره بالأسى على ما حل بالوادي من تدهور وانحلال، ومضى