حتى الرغيف نحاول أن نضفي عليه صفة القومية، فيصبح كالسياسة والتعليم واللباس وغيرها من المسائل العامة، وتصبح له مشكلة كمشاكلها العديدة! ولم لا تكون له مشكلة نعطيها من وقتنا وتفكيرنا شيئاً يتناسب مع خطره وأثره في اقتصاد الشعب وصحته؟
والرغيف كاللباس في مصر، يجمعهما شبه واحد، فبينا ترى للرؤوس أنواعاً شتى من العمائم والقلانس والطرابيش والقبعات، وللأجسام أشكالاً عديدة متباينة من الثياب لا تقارب بينها ولا تشابه، وللأقدام ضروباً متعددة من الخفاف والنعال والمراكيب والأحذية، حتى ليخيل للزائر الطارئ أننا أفراد أمم مختلفة امتزجت ببعضها على صعيد واحد، كذلك نرى لأكثر المدن رغيفاً معيناً، فلبعض مدن الوجه القبلي رغيفاً بشكل ولون خاصين، ولبعض قرى الوجهين البحري والقبلي أرغفة خاصة تشتهر بها، حتى ليقول لك خبير إن هذا الرغيف من ناحية كذا أو كذا، وترى للأجانب وأشباههم أرغفة مميزة ذات طابع خاص وهكذا.
وهذا الاختلاف الظاهر في أشكال وأحجام وألوان الأرغفة يتبعه بطبيعة الحال اختلاف باطني في طعومها وتركيبها الكيميائي ومشتملاتها الغذائية، ومن ثم اختلاف في تأثيرها على صحة الأجسام ونشاطها. وقد لا يعنينا هنا ظاهر تلك الأرغفة بقدر ما تعنينا قيمتها الغذائية وأثرها في الأجسام والعقول. ومما لا ريب فيه أن مكونات الرغيف تختلف كثيراً أو قليلا تبعاً للمواد الأولية التي يصنع منها والتي ينتجها إقليم ما. فإذا كان الإقليم ينتج قمحاً فرغيفه من القمح، وإذا كان ينتج ذرة فرغيفه من الذرة، بينما يكون الرغيف في إقليم ثالث خليطاً من القمح والذرة بنسب تتفاوت كثيراً أو قليلا تبعاً لغلبة أحد المحصولين على الآخر وهكذا.
ولا ينبغي أن ننسى أن للتقاليد والعادات الموروثة أثراً كبيراً في عمل الرغيف كما هو الأمر في عمل بعض ألوان الطعام الأخرى.
ومع قيام مثل هذه الاعتبارات وغيرها نرى أن الأرغفة المصنوعة من القمح تختلف فيما بينها أيضاً. فبعضها يكون أبيض اللون ناعماً قوامه الدقيق الخالص، وبعضها أسمر خشناً