كل أولئك رأيتهم في ليلة واحدة وفي شارع واحدة لعله أكبر وأحفل شوارع عاصمتنا، وكل أولئك قل أن يخلو منهم شارع من الشوارع الكبيرة في عاصمتنا العظيمة. . .
أما طلاب اللهو فهم أنماط حسب ما يبتغي كل لنفسه مما يلهو به أو يزجي به فراغه، وأكثرهم بادون للأعين في غير حاجة إلى منظار فالشوارع بهم مكتظة، ومنهم فريق هم طلاب اللهو الخفي والعياذ بالله لا يكاد يتبينهم المنظار حتى يرتد عنهم فراراً أو يختفوا هم عنه. . .
وأما طلاب القوت فهم كذلك طوائف وأنماط من الخلق، ولكن دع عنك أصحاب الملاهي والمتاجر، فهؤلاء في الحق طلاب ذهب لا طلاب قوت. . .
وإنما أعني بطلاب القوت أولئك الذين (يسرعون) من بنين وبنات وفتيان وكهول بأوراق (اليانصيب) أو بالصحف أو بصناديق مسح الأحذية أو بصناديق الحلوى أو أدوات الحلاقة أو السجائر أو غيرها؛ ثم أولئك الذين لا تجد في أيديهم شيئاً من هذا وتراهم يتساقطون على الموائد تساقط الذباب، أو يقعون على مقربة منها إقعاء القطط وغير القطط من الدواب ينتظرون لقمة أو يفتشون في قمامة أو يلتقطون ما يلقى من أعقاب السجائر. . .
وطلاب القوت هؤلاء وبخاصة من يطلبونه بغير عمل قذى في العيون بأسمالهم وأذى للنفوس بألفاظهم ومعاركهم وصخبهم. . .
ولكن أكبر ظني أن ولاة الأمر قد اقتنعوا أنهم زينة ينقص بغيرهم جمال العاصمة نقصاناً كبيراً، أو لعلهم أيقنوا أنهم باتوا بحق من ميراثنا القومي ومن تقاليدنا الأهلية، فلو خلت الشوارع منهم بمعجزة من المعجزات لبثت الحكومة عيونها وأرصدت أعوانها حتى يأتوا بهم طائعين فيعود للعاصمة جمالها الذي غاضت بشاشته ورونقها الذي انطفأت بهجته. . . وأما طلاب الموت فأحسب ذهنك أيها القارئ قد وثب إلى أولئك الجنود الذين كانوا يدبون بالعاصمة كالجراد المنتشر، ولكني لست أقصد هؤلاء فقد أراحنا الله سبحانه من عفاريتهم الحمر والسمر والسود إلى غير رجعة إن شاء الله. . .
وإنما طلاب الموت هم أولئك العظام الملقاة على طواري الشارع، والذين يعدون في