الأحياء وهم من الموتى لولا أنفاس ضئيلة في صدورهم تتردد. . .
رأيت خمسة من هؤلاء على مسافات متقاربة، أما أولهم فقد تكور في ثيابه كالقنفذ وبجانبه زجاجة لعله كان يدور بها في نهاره على المستشفيات وتحسبه في الثمانين وقد لا يزيد عن الأربعين.
وأما ثانيهم فغلام في نحو الخامسة عشرة بسط إحدى ذراعيه على الأرض ووضع الثانية على بطنه، حيث موضع الألم أو موضع الجوع وفي وجهه الذابل المتجه إلى السماء صفرة الموت وفي ساقيه أو في عظمتيه الممدودتين فقاقيع حمراء مخيفة تشيع في صفرتها، ولقد حسبت أنه لن يرى وجه النهار. . .
وأما ثالثهم فكهل ضرير ناحل البدن، خائر القوة تدور حول صدغيه من أسفل ذقنه إلى قمة رأسه لفائف بيضاء تحتها قطع من القطن، ولعله قدم بها من إحدى (العيادات الخارجية) واستلقى هنا يطلب الراحة لبدنه بالموت. . .
وأما رابعهم فشيخ تدل لحيته البيضاء ويداه المعروقتان وجبينه المغضن على أنه جاوز السبعين، وقد ألقى عصاه بجانبه ووضع تحت رأسه بعض العلب من الصفيح لعله كان يلعق ما ترك فيها من طعام.
وأما خامسهم فقد آلمني مرآه أكثر مما فعل مرآي سابقيه جميعاً فهو مقطوع اليدين والرجلين كأنه بقية تمثال قديم، ولست أدري كيف يتحرك المسكين وكيف يأكل إن وجد ثمة من أكل!.
وقلت لصاحبي، وقد زفرت زفرة طويلة أيرى الناس هؤلاء كما أرى؟ فضحك وليس المجال مجال ضحك وقال أف لمنظارك، فأجبته بل أف لهؤلاء الذين يملئون الصحف بأسماء المؤسسات والمبرات، والذين يتكلمون كثيراً عن أوجه الإصلاح وأنماط المشروعات. . .
ومضيت وأنا أسال نفسي في أي بلد من بلاد العالم يجتمع فيه شارع واحد بين اللاعبين بالذهب وبين الذين يعيشون كما تعيش الكلاب والقطط، والذين يطلبون الموت فلا يظفرون حتى بالموت؟. . .