للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الغناء والموسيقى وحالهما في مصر والغرب]

للأستاذ محمد توحيد السلحدار بك

- ٤ -

ثلاث الكليمات التي تقدم إيرادها هي بيان وجيز لملاحظات على الغناء والموسيقى في مصر والغرب، يلاحظها كثيرون منا، ولم يقصد بعرضها جميلة سوى لفت النظر إلى ضرورة الأخذ في إصلاح جدي يقوم من أود هذين الفنين وما يتعلق بهما عندنا. فإن استصوبها فنان محب لفنه، وأحس بقدرة على شيء من هذا الإصلاح وتهيأ له، فتوخاه ومهد سبيله، كان له فضل الابتداء والسبق في خدمة جليلة.

والذي يجمل بذوي الهمة من الفنانين هو قبل كل شيء، أن يحاولوا رفع ذلك الحب المريض من حضيض ذله الذليل، وإن يطبوه بأشعة البشاشة وروح الهشاشة لعلهم يزيلون عن قلبه تسعة وتسعين في المائة - على الأقل - من هذا الحزن الذي ران عليه، وينقذونه من طوفان دمعه السخين؛ والمجال، بعد هذا الإسعاف، واسع شاسع الأطراف: أفليس أمامهم حب الأصحاء، سعيده وشقيه؟ وسائر الأحاسيس والخوالج كنز لا يفنى. لهم أن يختاروا منه ما يسهل وصفه: كألوان العواطف الوطنية والعائلية، وكالحماسة والفرح وغيرهما؛ وفي الطبيعة جمال مشرق باسم يمرح الشباب أمامه في أحضانها ويلاعب ويداعب، ويتهكم ويغاضب، ويجالس ويؤانس، ويتراقص ويتعاشق، ويغني ويطرب في هناء وابتهاج. كل ذلك قد لا يتعذر على الفنان الحي تصويره بمنظوم شعره ومنثوره، أو بألحانه، أو غنائه، أو موسيقاه، إن هو أن اعتمد على بصيرته وبصره، واستهدى شعوره، وراد آفاق نفسه، وطلوع وحي قلبه محترساً من تقليد سواه.

وإذا حل أن يعبر للعامة عن أمثال هذه الموضوعات بالعامية فهل يحرم أن يعبر عنها بالفصحى للصفوة المثقفة، وبالفصيحة السهلة الواضحة للخاصة المتعلمة على أن يكون إلا تجاه بها إلى التعميم؟

والمأمول أن ترجح في الغناء كفة ما كان من النثر والنظم شعراً ما دام مجرد استعمال الكلمات التي ألفها الشعراء: كالقمر والزهر والفؤاد والوداد والنيل والنخيل، لا يرد غث الكلام وسفسافه شعراً. وإن بين الناثرين والناظمين شعراء بصراء، تشعر أغانيهم بقدرة

<<  <  ج:
ص:  >  >>