كدنا لا نذكر اليوم عن (رشيد) إلا إخراج الأرز طعاما شهيا. وأنها مقر صناعته ولا نعرف لها أكثر من الترويج الذي نلقاه من جمال موقعها حين نبرم بالمصيف المتمدين المملوء بالرسميات على شاطئ الإسكندرية فنفزع إليها نلتمس شيئا من التغيير وقربا من الطبيعة في أهنأ مظاهرها
فأما نصيبها من حياتنا المعنوية فمقصور على ما نتوارثه سماعا عن سرعة النكتة في طبيعة أهلها، فنتنادر بشيء مما حفظنا منه في مناسبات متباعدة، فإذا طلبت في إحدى بيئاتنا مزيدا فلست تجده إلا رواية عن مختصر مخل من كتب الجغرافيا (فهي ميناء على ملتقى النيل بالبحر الأبيض المتوسط وهي مركز من مديرية الغربية كانت محافظة إلى عهد قريب)
وهكذا غمطت (رشيد) حقها، وغمر في قاموسنا أصلها كما ذهب الإهمال بأكثر صحفنا، وعصفت الأنواء بمفاخرنا. كأنها لم تكن طغراء في كتاب الجهاد الحديث، ومسرحا أظهر الله فيه آيات الحكمة والبسالة لشعب وادي النيل. كأنها ليست هي رشيد التي حققت في سنة ١٨٠٧ ما لا يزال في أحضان التقدم والرقي مجرد أمل لوادي النيل، وأمنية لأكثر أقطار الشرق
أحببت أن أرى رشيد أول مرة في أول أبريل، وكنت بالإسكندرية والمسافة بينهما تقطعها السيارة في ساعتين
تخيرت (سيارة أجرة) أعجبني مظهرها واطمأنت نفسي إلى أدب سائقها، وسارت تقطع الطريق وقد أوصيت قائدها بالتؤدة لعلة الأمعاء التي أشكو
وقف بي السائق في الطريق عند (ادكو) المشرفة على بحيرتها ونزلت أمشي قليلا على قدمي، فلما عدت أستأنف رحلتي وجدت السائق قد أعد فنجان قهوة وكوبة ماء وقدمهما إلي في أدب يندر أن تراه في زملائه. شكرت له صنيعه وألححت في أن يطلب له فنجانا آخر وسرحته ريثما يشربه في قهوة مجاورة بيد أنه لم يقبل إلا بعد مشقة
جلست إلى جوار السائق مستأنفا رحلتي وقد ألهمت أن للرجل قسطا من العلم ولابد من سر