قلت:(لأي غرض تظنني أقصد إلى رشيد؟) قال: (لعل حضرتك محام ولديك اليوم جلسة) قلت: (لقد تركت المهنة منذ ثماني حجج وأنا اليوم فلاح مقيم بالوجه القبلي) قال: (لعلها نزهة، فكثير من الخواجات يأتونها في أوقات مختلفة) قلت: (ولا هذا أيضا وليس معي رفيق ولم أر رشيد من قبل)!! قال: (لعلك تزور صاحبا) قلت: (لا أعرف أحدا وقد ذكرت لك أن هذه أول زيارة لها)
اكتفيت من حدس السائق بما سمعت، وخففت عنه عبء الفكر فقلت:(هذا يوم عيد رشيد - بل عيد لوادي النيل. فقد أشرقت شمس هذا اليوم منذ ١٢٨ عاما وللمدينة غنى بشمس النصر، وحرارة الجهد والظفر على المعتدين حتى جلا الإنجليز في ظل معاهدة محمد علي باشا عن البلاد بعد ذلك بشهور)!!
سر السائق بما سمع وبدا لي أنه يريد أن يتكلم فلزمت الصمت قال:(إن بلاءنا منا وبسبابنا. قلت: لم وكيف كان ذلك؟ قال: (ألا تذكر حضرتك كيف التجأ الخديو توفيق باشا لحماية الإنجليز؟ - ألم تسرق من معسكر عرابي خريطة في التل الكبير بواسطة أحد الضباط)؟!
ذكرت على التو أمر الخريطة وأني قرأت شيئا من ذلك في أحد المؤلفات التي كتبت عن المسألة المصرية وإذا لم تخني الذاكرة فهذا الضابط الذي يعنيه يدعى (علي يوسف خنفس)
قلت: ولكن بعد ذلك ألم يكن السبيل لتصحيح الخطأ ودرء الخطر؟)
قال:(ألم يكن رؤساء الحكومة أغرابا بين الترك وأرمني ورومي؟)
تساءلت: ومن هذا الأرمني؟ أو كان لنا رئيس حكومة أرمني؟
قال: نعم. نوبار باشا، ألم يساعد على سلخ السودان؟ استدركت قائلا (بل قل الوجه السوداني كما تقول الوجه البحري والقبلي. أو تعرف للسودان قيمة؟)
قال:(إنه حياتنا، ولقد عشت فيه، وتلك الشهادة الابتدائية من كلية غوردون)
صدق ظني فأنا بأزاء رجل متعلم، وطاب لي أن يستمر في حديثه وكله سمر مفيد متصل بما أعنى به