أنصف سيسل دي ميل الشرق في فلمه الأخير (الحروب الصليبية) في شخص صلاح الدين الأيوبي سلطان مصر، فدل بذلك على أن روحه روح فنان لم يتملكها التعصب ويحيد بها عن طريق الحق والواجب في تسجيل التاريخ على شريط السينما
فهو قد صور بطلنا الشرقي في الصورة المعروفة عنه من الشجاعة والنبل، صوره رجلا يأبى الوصول إلى أغراضه عن طريق الخسة والدناءة، ويترفع عن وسائل الغدر والخيانة، في حين أن الكثيرين من كتاب الغرب إذا ما عرضوا لشخصية شرقية مهما أيد التاريخ والحوادث عظمتها لم يتركوها دون مغمز، بل منهم من يخلق لها الحوادث المخزية ويروح يبذل جهده لإلصاقها بها، ويصور الشرق والجو الذي يحيط بالقصة في أشنع الصور وأشدها إلى النفس.
فإنصاف سيسيل دي ميل لصلاح الدين والشرق عمل جدير بالتقدير لاسيما وأنه صور الشرق في أوج عظمته عندما كانت الإمبراطورية المصرية في أقوى أيامها وبلاد الغرب في همجيتها ليس القراء في حاجة إلى أن نقدم لهم هذا المدير الفني العظيم، فهو أحد أركان النهضة السينمائية في أمريكا وأحد دعائمها، وله ماض حافل بالأفلام الهائلة الرائعة، ولكني إذا تحدث عنه لا يسعني إلا أن أشرح رأيه في السينما؛ فهو يرى أن السينما فن المجموعات وأنها لم تخلق لتعالج الموضوعات البسيطة أو الموضوعات الاجتماعية التي تعرض للإنسان في حياته الخاصة، وإنما خلقت لتعالج الموضوعات التي تشغل شعوب العالم والتي تتمثل فيها قوى الجماعة. فهي أليق ما تكون للروايات الاستعراضية أو الروايات التاريخية التي تتجلى فيها العظمة والقوة.
ولهذا كان دي ميل يعمد دائما إلى التاريخ يستلهمه مادة لقصصه السينمائية، ولا يختار من الوقائع والحوادث إلا ما يتلاءم مع العظمة والأبهة الكاملة وما يحتاج إلى مصروفات باهظة وأنت إذا تشهد أي فلم من أفلامه تعجب كيف استطاع هذا الإنسان أن يدير الفلم على هذه الصورة من الدقة وأن يخلق حول القصة الجو الصادق.