للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[صوم رمضان بين العلم والأدب]

للأستاذ ضياء الدخيلي

- ٣ -

ومن الزهاد من عاف اللذائذ لإسعاد الناس كما فعل الأمام علي (ع) لم يشأ أن يمتع نفسه باللذات لأنه رأى أنه فعل ذلك توسع الولاة ومن بيدهم أمر الأمة الإسلامية في البذخ والنعيم حتى يرهقوا الرعية كما فعل من بعده الأمويون والعباسيون واتباعهم - فزهد ليسعد الناس، بل أنه اخذ ولاته بالزهد وترك الانقياد لأطايب الأطعمة كما فعل في استنكاره على واليه على البصرة عندما سمع بإقباله على الولائم الشهية فحذره من سوء المصرع بكتاب وانذره.

ومن الزهاد من عاف الملذات تديناً ناسياً إن الشرائع شرعت لإسعاد الناس فمن أتبعها رضي الله عنه لأنه عمل لإسعاد عباده وأن الله لم يجعل تعذيب النفوس سبيلا لرضاه. . .

وكان الكلييون من فلاسفة اليونان يعلمون الناس إن الآلهة منزهة عن الاحتياج، فخيركم من تخلف بأخلاق الآلهة فقلل من حاجاته جهد الطاقة وقنع بالقليل وتحمل الآلام واستهان بها واحتقر الغنى وزهد في اللذائذ. ومن أشهر رجال هذا المذهب (ديو جانيس الكلبي) مات سنة ٣٢٣ ق. م وقد كان يعلم أصحابه أن يتركوا التكلف الذي اقتضاه اصطلاح الناس وأوضاعهم، وكان يلبس الخشن من الثياب ويأكل رديء الطعام وينام على الأرضويرى مع باقي الفلاسفة الكلبيين أن السعادة في الفرار من اللذة وتقليلها جهد الطاقة وهذا إفراط تأباه الشريعة الإسلامية. العملية التي سايرت المدنية والعلم وطبقت في مختلف بقاع الأرض فنجحت من صحراء الحجاز ونجد اليمامة إلى فردوس الأندلس وجنوبي إيطاليا وصقلية وغربي فرنسا وجنوبيها، إلى جنان مصر والعراق وسوريا وإيران وتركيا، إلى ما وراء النهر والهند والتبت وزنجبار وغربي أفريقيا واليمن - فلاءمت البدو والحضر في أوربا وآسيا وأفريقيا وأمريكا (إن شاء الله)

ولا تنس إن مقابل أولئك الفلاسفة المتزمتين الذين قاطعوا الملذات وتحرجوا من معاقرتها - يوجد فلاسفة آخرون أفرطوا في ما ذهبوا إليه كما أفرط خصومهم، فهؤلاء يرون إطلاق المرء لنفسه العنان وأن يمكنها من كل ملذات الحياة، يرون أن الإنسان في هذه الحياة إنما

<<  <  ج:
ص:  >  >>