الثقافة غير محصورة في القراءة والكتابة. الثقافة تجمع بين الفن والغناء والأدب والعلم والمسرح؛ على وجه التخصيص. فقد ولى الزمان الذي فيه كان يقال: تأدب فلان إذا قرأ كذا وكذا. ومعنى ذلك أن متأدب هذا الوقت يحق عليه أن يرهف الحس لألوان الفن؛ ويميل الأذن لضروب الغناء والعزف، ويقلب النظر فيما يجري على خشب المسرح، إلى جانب المطالعة والتلقي
والكلام هنا على الغناء والعزف. فمن يخبرني على أي وجه تقوم الموسيقى السائرة في مصر مقام مصدر من مصادر الثقافة؟ أما الغناء الدوار على ألسنة أهل الصناعة فمرذول، لما فيه من الإسفاف والابتذال وضيق المجرى، فضلاً عن مسخ طائفة من الأغاني الإفرنجية. وأما العزف فقد جمد وجف بفضل جماعة قصروا هممهم على التقليد، وفي ظنهم أنهم حضنة الموسيقى؛ عفا الله عن المعهد الملكي للموسيقى العربية، وأصلح من يمده بمال الأمة!
الموسيقى عندنا غير صالحة، وليس في وسعها أن تساير النحت والتصوير والرسم - وقد جل شأنها جميعاً على أيدي الفنانين المصريين - في تهذيب الجانب الفني من طبائعنا، ولا في إسعاف من يهوى الموسيقى الجيدة ببغيته. ولذلك لا بد لمن ينشط لما وراء (البشرف والسماعي والموال والطقطوقة) أن ينصرف إلى سماع الموسيقى الغربية. وهذه وزارة المعارف تجلب في فصل الشتاء من كل سنة فرقة إفرنجية تعمل في دار الأوبرا الملكية.
ومما يورث الأسف بل الحزن أن الفرقة التي هبطت دار الأوبرا لهذه السنة (وهي إيطالية) لم تصنع شيئاً في سبيل الثقافة. وذلك لأن الموسيقى الغربية فيها الحسن والقبيح، والرفيع والساقط، والطريف والمبتذل. فكأن من وكل إليه لم أفراد هذه الفرقة (وهو إيطالي) قال في نفسه: (ليس في مصر من يحسن السماع، وليس فيها من يميز اللحن الجيد من اللحن الرديء). قال هذا أو نحوه ثم جاء بفرقة لا تتجاوب أطرافها، إذ فيها نفر من المغنين الحذاق، وكثير من المغنين الضعفاء. وأحسن ما فيها القائد الأول للعزف واسمه فتو.
وأما القطع التي أدتها تلك الفرقة فبينها وبين الفن الخالص مسافة. ذلك أن طائفة منها بالية