قرأت بدهشة وعجب كلمة الأستاذ (م. ح. ب) من الخرطوم في العدد (٢٩٢) من الرسالة، ولا ألومه أن يغضب إذا أهينت كرامته، أو مست قوميته بسوء؛ بيد أني حين تبرأت من أن أكون (زنجيّاً أو هنديّاً أو نوبيّاً أو حبشيّاً) كنت أشير إلى ما يعتقده الإنجليز في هذه الأجناس خاصة، ولذلك قلت فيما بعد:(ولن أقبل من مخلوق مهما تكن سطوته أن يلحقني بهؤلاء الذين ينظر إليهم بعين الازدراء والامتهان، ويعدهم دونه في الذكاء والمدنية). وقلت:(إني لست في مقام جدال) حتى أفند هذا الرأي الخاطئ، إذ كنت حريصاً على إيجاد مأوى أستريح فيه من عناء السفر، وشدة الداء؛ وحين لاحت الفرصة دافعت بكل ما أوتيت من قوة عن (الشعوب الملونة) فقلت: (الآن عرفت الحقيقة، إذاً لا يوجد هناك تفوق في الذكاء كما لا يوجد تفوق في ميدان الحضارة والاستعداد لتقبلها، ولكن المسألة استعمارية بحتة)؛ وتكلمت عن الشرقيين عامة كما تكلمت عن المصريين خاصة، ولا يلمني الكاتب الفاضل إذا دافعت عن نفسي أولاً ثم عن غيري ثانياً.
الواقع أن الإنجليز وبعض الأوربيين حينما يرون شخصاً أسمر اللون، لا يفكرون إلا في هذه الأجناس؛ لأن الأمريكيين نشروا الدعاية السيئة ضد الزنوج، والاستعماريين شوهوا سيرة الهنود والنوبيين والأحباش ووصموهم بكل رذيلة وعيب. أما أنا يا سيدي فلم يزل قلمي، ولم يخطر قط ببالي أن أهين شخصاً ما، ولو عرفت مقدار صلتي بالهنود والسودانيين والأحباش لما اتهمتني بما ذكرت؛ ففي الهنود ذكاء عظيم، وفضل كبير، وعلم جم؛ والسودانيين إخواننا في الوطن والعروبة والدين، ومنهم أعز أصدقائي الأستاذ الأديب توفيق البكري كاتم سر (النادي السوداني بمصر) وأنا أعطف على ناشئتهم في مدارسنا المصرية عطف الأخ الأكبر على اخوته الصغار. إما الأحباش فقد اتصلت بهم في لندن أيام نضالهم مع الإيطاليين، وعرفت فيهم خلالاً حميدة، وأدباً غزيراً؛ ودرست اللغة الحبشية في معهد اللغات الشرقية بلندن على آخر وزير لخارجية الحبشة المستقلة الأستاذ (هروي) ويعد من إنكار الجميل أن يخطر ببالي إهانتهم ولعل في كلمتي هذه ما يزيل الشك، إن كان ثمة شك.