نتحدث في هذا المقال عن عبقرية شعت في معاصريها الحرارة والنور، عن شعلة وهاجة فيها جمالوانسجام، وفي جوهرها هدى وسلام، عن مدرسة عالية تتعلم القلوب فيها السمو والشجاعة، وتتهيأ النفوس فيها للعفة والنبل والصفاء، عن مدرسة علمت الفرنسيين نفاسة الإرادة وبطولة الواجب وجمال التضحية. وسنجعل موضوع المقالات التالية عن عظماء الكتاب الفرنسيين في القرن السابع عشر وهم: بسكال ولاروشفو ولافونتين وموليير وراسين وبوسويه وفنلون ولابروبير وسان سيمون ومدام دي سفنييه.
إذا ولد ابن ملك دقت النواقيس وأطلقت المدافع إيذاناً بمولده، وفرض على الشعب أن يبتهج إن كان شقيا، أو بعث الفرح في نفسه إن كان مجدودا سعيداً. وإذا ولد عبقري، جهل الناس أمره ولم يعرف حقيقته إلا الله الذي يسم جبينه بطابع إلهي ويعين مهمته العالية بين البشر. وبعد أن تكشف العبقرية عن نفسها ويسود مجدها، يبحث الناس في ظروف مولدها وفي حوادث شبابها عن الإمارات العظيمة التي تدل على مستقبله. وكذلك ولد بيير كورني في ٦ يونيو عام ١٦٠٦ بمدينة وارن. ولم يسطع في ذلك اليوم نجم في السماء جديد أو يحدث على سطح الغبراء حادث خارق يعلن إلى الناس مجيء رجل عظيم.
أحبه والداه حباً شديداً، وربياه على التقوى والفضائل، ولم يجدا فيه ما يدلهما على أن اسمه سيكون يوما في شعفة المجد الفرنسي. وما بلغ اشده ادخله أبوه مدرسة يديرها الجوزيت فتلقى فيها تربية قوية صلبة وتعليما متينا. ولم ينس قط لهذه المدرسة الأثر الجميل الذي خلقته في نفسه الغضة. ثم أراد له أهله أن يكون من رجال القانون فكان، إرضاء لهم دون ان يشعر بميل إلى ما أصاروه إليه.
نال إجازة الحقوق في ١٨ يونيو عام ١٦٢٤ وترافع أمام القضاء، ولكنه لم يصيب غير الفشل الممض لانه كان خجولايشعر في حضرة الناس باكتئاب بطني يغمز عليه الحيرة