إنني في كتاباتي عن الشيخ جمال القاسمي رحمه الله لم أدخل في علم الحديث دخول من تصدى لترجيح أو تجريح وخاض في الحديث خوض من يعلمه، بل بقيت واقفاً على الشاطئ، على حين أخي محمداً الكرد علي دخل في الموضوع وحكم فيه حكمه، وهو مع ذلك يقول إنني أنا وإياه لسنا من هذا العلم في وردٍ ولا صدر. فإذا كان الأمر كذلك فما كان أحراه بأن يترك انتقاد كتاب مؤلف في الحديث الشريف، وقد أطنب في وصفه مثل الأستاذ الأكبر السيد رشيد رضا رحمه الله الذي إذا تكلم في هذا الفن يقال: القول ما قالت حذام
أنا كان أكثر كلامي في محاسن الأستاذ الكبير الشيخ جمال القاسمي تغمده الله برحمته؛ فان كنت لست من علماء الحديث فأني لست جاهلاً معرفة الرجال، ولا مسلوباً مزية التمييز بينهم، ولولا حسن فراستي ما كان الأستاذ كرد على عظيماً في عيني، وقد اخترته لأخائي منذ اثنتين وربعين سنة
أما السجع وما أدراك ما السجع، فالكلام العربي ينقسم إلى مرسل ومسجع، وموزون ومقفى، ولكل نوع من هذه الأنواع الثلاثة مقام يحسن فيه أكثر من غيره، والمرسل هو الكلام المعتاد الطبيعي الذي به أكثر تفاهم الناطقين بالضاد. والموزون المقفى هو الشهر الذي لا رونق للغات بدونه. والسجع وسط بين المرسل والموزون، وله وقع في النفوس لا جدال فيه، ويكفيه من الشرف أن كتاب الله تعالى قد نزل بهذه الطريقة، وأن نهج البلاغة وكثيراً من كلام أفصح العرب هو من النوع المسجع. ولا يقال في بديع الزمان والخوارزمي والصاحب والصابي والقاضي الفاضل وأمثالهم إنهم لم يحسنوا القول. فان كانت اللغات الأوربية ليس فيها سجع إلا ما ندر، فليس هذا بحجة على اللغة العربية، فلكل لغة خواص تمتاز هي بها، وقد خلق الله الناس أذواقاً مختلفة، وجعل لكل أناس مشربهم، والعرب غير العجم، والشرق غير الغرب