للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مع أبي تمام في آفاقه:]

قصيدة النار

للأستاذ محمود عزت عرفة

المعتصم والفقشين:

لم يكن المعتصم رجل علم كأخيه المأمون، وإنما كان جنديا قديرا يحسن اصطفاء القواد وتخير رجالات الحرب. وقد وصف نفسه في بعض مجالسه بأنه (الخليفة الأمي) فلم يعد وجه الحق في شيء.

وكان موقف الدولة العباسية وعوامل تكوينها قد قضت علها أن تستجلب العناصر الغريبة إلى جيشها، من فرس وترك وغيرهما، تستعين بهم على كبح جماح العرب من فلول بني أمية وأشياع بني هاشم.

فلما جاء أبو إسحاق المعتصم أرنى في ذلك على أسلافه، حتى لأسقط أسماء العرب من ديوان الجيش مكتفيا بالأتراك والأبناء، وبجند اجتلبهم من فرغانة وأشروسنة.

ولما نبت بغداد بأولئك الجند، وآذوا أهلها وتأذوا بهم، اختط لهم المعتصم حاضرته الجديدة سامرا، وأبانهم بالأزياء الجديدة عن سائر جنده، ورفع من مراتبهم وأقدارهم، وجعل بأيديهم مستقبل الخلافة.

وكان الأفشين (حيدر بن كاوس) أحد هؤلاء الذين اصطفاهم المعتصم، وهو فارسي الأصل من أبناء أشروسنة. ولقب الأفشين كان يطلق على كل من ملك في تلك الناحية.

والثابت أن الأفشين من أبناء الملوك الذين حكموا هنالك؛ وقد كانت منزلته رفيعة لدى قومه حتى اليوم الذي قتل فيه، بل إن إفراطهم في الولاء له كان إحدى التهم التي ووجه بها وأدت إلى أن يسلب نعمته ويصلب.

ويرجع اتصال الأفشين بالمعتصم إلى ما قبل توليه الخلافة بسنوات. ففي عام ٢١٣هـ عقد المأمون لأخيه لواء الولاية على الشام ومصر. وفي نفس السنة أندلع بمصر لهيب الثورة. ووثب عرب القيسية واليمانية بعامل المعتصم فقتلوه، وهو عميرة بن الوليد الباذغيسي الذي رثاه أبو تمام بإحدى بواكير شعره وهو بمصر فقال:

أعيدي النوح معولة أعيدي ... وزيدي من بكائك ثم زيدي

<<  <  ج:
ص:  >  >>