توهمت أني الشرقي المتأمرك الوحيد بين ركب الباخرة التي بعث بها رئيس روزفلت إلى الشرق لتعود بالأمريكيين إلى ولاياتهم المتحدة قبل أن تقطع الطريق عليهم الحرب الوشيكة الوقوع بين أمريكا واليابان وحليفتها. توهمت ذلك، لأني لم أر ساعة رفعت الباخرة مراسيها وأخذت تبتعد عن الميناء مودعاً واحداً يلوح بمنديل، ولا بصراً واحداً رنا لراكب واحد من ركاب هذه الباخرة التي ستشق طريقها بين عجاجات الجحيم المستعرة بين أنصار الحرية وأشياع الفردية.
ألقيت بالنظرة الأخيرة على ميناء بيروت، ولما اختلطت الرؤى، وصرت لا أميز بالعين المجردة إلا أشباح جبال لبنان الضاربة قممها فوق الغيوم دون أشجار الصنوبر الخالدة، طفقت أرود الباخرة أتطلع إلى ركابها الأمريكيين.
إن روح الجماعية أصيلة في خلق الأمريكان، تستمليهم المغريات كالفرنسيين، ويدفع بهم حب الاطلاع إلى معرفة ما خفي من الأمور، وما استتر من الأشياء وخفايا الناس أيضا، وهم لا يتورعون عن المراهنة على كل حدث أو خاطرة، فهذه الخاصة هي التي حفزت أكثر الركب، وقد تعارفوا وتآلفوا، إلى معرفة طوية رجل متأمرك آخر سواي، نفور جالس فوق كرسي مستطيل من كراسي الباخرة لا يجيب عن سؤال راغب، ولا يلتفت إلى طلب أي طالب، سيدة كانت أم رجلاً. وقد استعان هؤلاء الطلعات بي، وكانت رغبتهم في معرفة ازورار مواطني الشرقي تكاد تنقلب شهوة ملحاحاً أكثر لجاجة من حبه الرهان.
قالت لي فتاة رفافة البشرة:(أحسب صاحبك عاشقاً، لأن الحزن يجلل نفسه بوشاح من اليأس!! وقالت سيدة فقدت حيلتها في مغالطة نفسها لأقدار الزمن: (صاحبك هذا أقوى الغرام وهذه حالة تنتاب الكهول حين يشعرون بالهرم) وقال شيخ: (قد يكون سبب حزنه عدم إتمامه بناء القصر الذي بناه في قريته فتركه يعشش في الخفافيش والبوم وعاد إلى أمريكا يجمع الدولارات ليتم بناءه) ولكمني في بطني (وهو يضحك) لكمة لولا تعود بطون الأمريكان تحملها لأفرغت ما فيها من كل منفذ. وقال آخر يتعمد الرصانة: (الجنسية