دعك من حديث ماضينا المجيد الخالد، فإن التاريخ الأمين لن ينسى هذه القرون الطويلة التي حملنا فيها لواء الحضارة، ورفعنا راية الإنسانية السامية، وانتقل معي إلى حديث طريف، لا تذكره للتاريخ فحسب، ولكن ليسمع كل عربي يؤمن بقوميته وعروبته، وكل مسلم ثابت على عقيدته ورسالته، فينفض عن نفسه غبار الذلة، ويلحق بركب المجاهدين في سبيل دينهم وقوميتهم، قبل أن يسجل التاريخ علينا معرة التفريط والعجز.
هذه صورة مجيدة من صور الجهاد العربي، في شمال أفريقية، ثغر العروبة وحصنها الغربي؛ على سفوح جبال الجزائر الشماء، حركة دائبة، تجمع فيها أسود العروبة وأبطال الكفاح يرقبون مطلع نجم جديد، يسمونه نجم أفريقيا الشمالية، اتخذوه شارة لوحدتهم، وعلامة لاستقلالهم؛ وقد علموا إنه لا يشرق إلا مخضباً بالدماء، ولا يسبح إلا في مجرة من نور التضحية والاستشهاد. من حولهم مدن الجزائر المحبوبة لا يكدر صفوها إلا عبث هؤلاء المستعمرين مستكلبين على شهواتهم، مغرورين بسلطانهم، يحتفلون بما يسمونه يوم (النصر)، النصر الذي لم يستحقوه بجهادهم، ولم ينالوه بتضحياتهم، ثم أبوا إلا أن يحتفلوا به أسبوعاً كاملاً أرادت فرنسا أن تبيح لشعبها فيه ما شاءت من طعام وشراب لا تملك منه شيئا، فبعثت وكلاءها وأذنابها يغتصبون طعام العرب في شمال أفريقية مستعملين في ذلك أساليبهم الرجعية؛ كما انهم عادوا إلى سياستهم العتيقة لمحو القومية العربية ومحاربة عناصرها من دين ولغة وآداب وتقاليد ووحدة، حتى نفد صبر العرب المجاهدين. وهاهم أولاء يبدأون كفاحهم في يوم (النصر) حاملين سلاحهم العزيز، كما حمله أسلافهم من قبل أمثال عبد القادر وابن عبد الكريم. وهذا سبيلهم ينساب على مراكز المستعمرين ومراتع لهوهم وعبثهم، فألقوا عليهم درساً جديداً في بطولة العرب وإبائهم، وشجاعتهم وثباتهم، وذكروهم بأن حرية العربي أغلى من أن تختلس في غفلة، وأن دمه العزيز لا يهمل إلا في ميادين القتال فداء الوطن والدين. . .
ولا يزال صدى هذه المعارك يرهب الفرنسيين ويقض مضاجعهم، وقد جعلهم يفكرون