مرتين قبل أن يقدموا على ما أرادوه من استئناف سياسة الاستعمار الوحشية البالية، وزاد غيظهم أنهم لم ينالوا من المجاهدين نيلاً يروي حقدهم، فسلطوا فلولهم - التي فرت من ميدان الكفاح الشريف أمام الألمان - على المدن الآمنة والسكان المسالمين فضربوهم بمدافعهم وطائراتهم وقتلوا آلاف المدنيين الذين لا ذنب لهم، وانجلت الثورة عن هالة حمراء من دماء العروبة الزكية أطل منها النجم المرتقب، نجم المجد العربي الطريف. نجم وحدة أفريقيا الشمالية واستقلالها يرقب من بعيد هلال الوحدة العربية في الشرق، لعله يستجيب فتجمعها جامعة العروبة وروح الإسلام في سماء العزة والسيادة.
ونحن في المشرق، ماذا فعلنا من أجل هذا النجم العزيز وهذا الأمل المشترك؟ هل مددنا أيدينا إلى هؤلاء العرب المجاهدين في المغرب لنربط جهادنا بجهادهم، ونشد أزرهم في كفاحهم؟ ستجيب (الجامعة العربية) عن ذلك؛ ولكني أسائل المصريين الكرماء الذين ساعدوا منكوبي الإنسانية من كل جنس ولون: من الحبشة إلى اليونان إلى اليوغسلاف والهولنديين والبلجيكيين بل والروسيين في ستالنجراد، ألم يعلموا أن هذه الثورة العظيمة في الجزائر قد أسفرت عن منكوبين لا يقلون عن خمسة آلاف وأسرهم، بين قتيل وجريح وسجين باعتراف الحكومة الفرنسية نفسها، وإن كانوا لا يقلون عن ثلاثين ألفاً في تقدير المصادر المحايدة؟ فأين ذهبت النجدة والكرم، وأين حكومتنا التي تدفع الملايين من الجنيهات لتعمير بلاد أوربا (المحررة) أليس من الأولى أن نفكر في تحرير أوطان العروبة المستعمرة، أو إنقاذ إخواننا المنكوبين في تلك البلاد الشقيقة؟