من المتفق عليه بين علماء الجيولوجيا أن شمال أفريقيا لم يكن صحراوياً في العصور الغابرة، بل بالعكس كانت أمطاره غزيرة مما ساعد على جريان الأنهار فيه واخضرار أراضيه ونمو الغابات، وبالتالي على تكوين البحيرات الشاسعة التي كانت ملجأ للتماسيح والجاموس البحري، وعاملاً على وجود المستنقعات التي تحلق فوقها الطيور؛ وكانت هذه المستنقعات تشغل الأماكن المنخفضة وما زالت آثارها باقية إلى الآن تشهد بما كانت عليه الصحراء الكبرى في العصور القديمة؛ وكانت ترتع حول هذه البحيرات وبين أشجار الغابات أنواع من الحيوانات، بعضها من آكلة اللحوم وبعضها من آكلة العشب، ولكنها انقرضت بعض أجناسها واختفت نهائياً بمرور الزمن نتيجة لحدوث تحول في الأمطار أدى إلى نقصانها شيئاً فشيئاً في الصحراء وازديادها في أواسط أفريقيا مما نتج عنه جريان نهر النيل الحالي، فأضطر سكان شمال أفريقيا، ومنها (الليبيون) أن يهجروا أقاليمهم ويتجمعوا حول الأماكن الخصبة الجديدة التي كان من بينها نهر النيل وواديه، وإلى الآن لم يعرف بالضبط تاريخ صحيح لبدء هذا التجمع، وقيل أنه يرجع إلى ستة عشر ألف سنة مضت، ومن هنا نرى أن الليبيين كانوا عنصرا أساسيا في تكوين الشعب المصري القديم الذي ازدهرت المدنية على يديه، والذي سبق الشعوب الأخرى في مضمار الحضارة. أما من بقي من الليبيين في مكانه، فقد كان على اتصال بمصر أهلها
وبالأسف أن معلوماتنا عن الليبيين في تلك العصور القديمة قليلة جداً، وكل الذي نعرفه أنهم كانوا يعيشون على هيئة قبائل متفرقة مثل الآن، والقبائل الملاصقة لحدود مصر كانت تمتاز بشعرها الأسود وعيونها العسلية وهي قبائل التحنو، أما قبائل المشواش فهي إلى غرب القبائل الأولى، وقد سكنت الصحراء المجهولة الحد وقتئذ، وأهلها ذوو شعور شقراء وعيون زرقاء، وهناك أسماء أخرى كانت تطلق عليهم منها رابو وقد ذكر هيرودوت أبو التاريخ هؤلاء القوم تحت أسم ماكسيز وهم بلا جدال أصل البربر الذين استعمروا شمال أفريقيا فيما بعد، والمشواش قوم متمدينون نوعاً ماهرون في الفنون الحربية مسلحون جيداً
وكان الليبيون ينظرون إلى مصر الممثلة في واديها الخصيب بعين الطمع خصوصاً وأنهم