من عادتي في المجلس ألا أتكلم إلا مضطراً، كأن أحيا فأرد، وكأن أسأل فأجيب؛ أما إذا خليت لطبعي فأني أحبس لساني عن الكلام، وأجعل أذني لكل متكلم. لذلك تركت أخوان المصطبة يخوضون في كل حديث، ويعلقون على كل حادث: فمن حديث الباشا العظيم الذي يكره فلاحيه ومستأجريه على أن يتبرعوا بأقوالهم لأعمال الخير ثم يعلن التبرع باسمه على وجوه الصحف وهو لم يشارك فيه من ماله بقرش، إلى حديث النائب المحترم الذي قطع العهود على نفسه لدائرته أيام الانتخاب أن يجعل لهم البحر طحينة، والحياة كلها متاعاً وزينة؛ فلما وضعوه على كرسي مجلس النواب ظل موضوعاً عليه كالجرة الفارغة لا تنضح حتى بالمش! إلى حديث الشيوعية التي تعد الفقير بالغنى، وتمني الشقي بالسعادة، وتزعم أنها تنصف الفلاح من أمثال هذا الباشا الطماع، وتؤمن الناخب من أشباه هذا النائب الخداع. وحينئذ قال الشيخ مصباح للشيخ مفتاح وهو يحاوره في خير الشيوعية وشرها:
لعلك لم تسمع الكلمة التي أذاعها (الأستاذ) بالراديو منذ أيام، في
الشيوعية والإسلام. إنك لو سمعتها لكسعت أملك باليأس ورجاءك
بالخيبة. إن الشيوعية لا تملك الناس أرضاً ولا توسع عليهم رزقاً، ولا
تهيئ لهم حرية. فبهت الشيخ مفتاح ونظر إلي نظرة المستفهم المشدوه.
فقلت له: صدق الشيخ مفتاح! إن الشيوعية تأخذ لنفسها إلا الناس،
وتدعو إلى باطلها لا إلى الحق. إنها لا تسوي بين الخلق في الغنى
والحرية، وإنما تسوي بينهم في الفقر والعبودية. تجعل الغني فقيراً
بانتزاع ما يملك، ولا تجعل الفقير غنياً بامتلاك ما يستأجر. تصادر
الأرضين لتكون خالصة لها من دون المواطنين، ثم تستغلها بتسخير
الأيدي العاملة فلا تعطي الزارع غير أجرته، ولا تؤجره إلا على
حسب قدرته. فهي تنزع منك يا مفتاح نصف الفدان الذي تستثمره،
لتصبح كعلى رمضان الذي يستأجره. ذلك فضلاً عن كفرها بالدين