شغلت الصحف في الأيام الأخيرة ببعض الدواوين الشعرية وانبرى النقاد والكتاب لهذه الدواوين بالعرض والتحليل. وهذا أمر مألوف، فقد اصطلح الناس على أن يتناولوا كل اثر فني جديد يعرضون له تارة في شيء من التقدير والإعجاب، وتارة في شيء من التحقير والسخط، وحجة كل ناقد أو مستوعب لهذا العمل الفني انه يراه كذلك، وان ذوقه الأدبي يوحي له بهذا.
ولست أريد اليوم أن اسلك هذا الطريق أو أتناول ديوانا من هذه الدواوين بالعرض أو النقد. ولكني أريد أن أتساءل في هدوء ما فائدة النقد وما مهمة الناقد؟
لا ارغب من طرح هذا السؤال أن أثير ضجة في ميدان النقد، أو أن أحط من شأن النقاد، ولكني أتساءل مخلصا ما الفائدة الحقيقة التي تعود على الفن من نقد النقاد وتحليلهم؟
لقد انحط فن النقد عندنا حتى صرنا نرى الناقد لا يعدو أحد رجلين: رجل يكيل المدح في كرم وسخاء، وآخر يرمي بالشتائم والهجاء اللاذع المؤلم في غير تحرج ولا استحياء، وليس هذا عمل الناقد الفنان، فما كان النقد في يوم من الأيام مدحا أو هجاء، ولن تكون مهمة الناقد في يوم من الأيام أن يقف من الأثر الفني موقف من يقول انه حسن أو انه قبيح، ولكن الناقد الفنان هو الذي يستوعب ويقف على هذا الخلق الفني سواء في الأدب أو النحت أو التصوير أو الموسيقى، ويقول لماذا هو حسن وأين موضع القبح فيه.
ويجب عليه إلا يبني حكمه هذا على ذوقه الشخصي، فلو اعتمد النقد على الذوق فقط لنالته الفوضى وعمه الفساد. ولكن النقد لابد له من قواعد وأصول تقوم بجانب هذا التحكم الفردي فتخفف من غلوائه وتوقفه عند حده. ولست اذهب إلى ما ذهب إليه تين المؤرخ الفرنسي من أن زماناً معيناً ومكاناً معيناً وجواً معيناً تنتج أدباً خاصاً. فأنا لا أريد أن احشر النقد في زمرة العلوم، ولكني أرى انه لا يمكن أن يكون فنا خالصا يقوم على الذوق، أو علما محضا مرجعه القواعد والأصول.
أعود بعد هذا الاستطراد إلى سؤالي السابق الذي طرحت، والذي شغلني كثيرا ولا سيما في هذه الأيام، إذ لا يكاد ينقضي يوم حتى اقرأ في صحيفة أو أكثر من صحيفة بحثوا