[القلب المسكين]
للأستاذ مصطفى صادق الرافعي
أقبل عليَّ صاحبي الأديب وقال: أنظر هذه هي، وقد حلت بهذا البلد وما لي عهد بها منذ سنة. ومد إلي يده فنظرت إلى صورة امرأة كأحسن النساء وجهاً وجسماً، تتأود في غلالة من اللاذ.
وكأن شعاع الضحى في وجهها، وكأنها القمر طالعاً من غيمه، ويكاد صدرها يتنهد وهي صورة، وتبدو هيئة فمها كأنها وعد بقبلة، وفي عينيها نظرة كالسكوت بعد الكلمة التي قيلت همساً بينها وبين محبها. . .
فقلت: هذه صورة ما أراها قد رسمها إلا اثنان: المصور وإبليس. فمن هي؟
قال: سلها، أما تراها تكاد تثب من الورقة؟ إنها إلاّ تخبرك بشيء أخبرك عنها وجهها أنها أجمل النساء وأظرفهن وأحسن من شاهدت وجهاً وأعيناً، وثغراً وجيداً، والذي بعد ذلك. . .
قلت: ويحك، لقد شعرتَ بعدي، إن هذا شعرٌ موزون
وأحسن من شاهدتَ وجهاً وأعيناً ... وثغراً وجيداً والذي بعد ذلكا. . .
قال: إن شيطان هذه لا يكون إلا شاعراً؛ ألستَ تراه ناظماً من فنونها على الرسم شعراً معجزاً كل شاعر؟
قلت: وهذا أيضاً شعر موزون:
ألستَ تراه ناظماً من فنونها ... على الرسم شعراً معجزاً كل شاعر
قال: بلى والله إنه الشيطان، إنه شيطانها يريك لهذا الجسم روحاً رشيقة، تلين كلين الجسم بل هي أرشق
قلت: وهذا أيضاً، والقافية التي بعد هذا البيت: وبها شقوا. . .
فضحك صاحبنا وقال: حرك الصورة في يدك، فإنها ستراها وما تشك أنها ترقص.
قلت: الآن انقطع شيطانك، فهذا ليس شعراً ولا يجيء منه وزن. . .
وتضاحكنا وضحك الشيطان، وظهر الوجه الجميل في الرسم كأنه يضحك. . .
قال صاحب القلب المسكين: أنظر إلى هاتين العينين، إنهما من العيون التي تفتن الرجل وتسحره متى نظرت إليه، وتعذبه وتضنيه متى غابت عنه. إن في شعاعهما قدرةً على