[الشعر على اللسان النبوي]
للسيد جلال الحنفي
الذي لا زلنا نسمعه ونقرأه بحيث بات من البديهيات التي لا يتجادل فيها، وأصبح من غير المحمود الخروج عليه: أن الشعر لم يكن يلتئم على لسان النبي صلى الله عليه وسلم. ويقال إن النبي أنشد قول طرفة المشهور على هذا الشكل:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ... ويأتيك من لم تزوّد بالأخبار
فقيل له: ليس البيت كذلك يا رسول الله، وإنما هو هكذا:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
فرجع صلى الله عليه وسلم منشداً للبيت كما أنشده من قبل، ولم يتمكن من إنشاده بلفظه.
وإني لأعجب منتهى العجب كيف يسوغ لأحد أن يتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا العّي الذي ينقص أي امرئ إذا نسب إليه، وناهيك بالنبي وهو أفصح من نطق بالضاد، وصاحب الكلم الجوامع.
ولا أريد هنا أن أدلي بالنصوص التي يعلم منها أن النبي رغب في الشعر وحث عليه وافتخر ببعض رجاله، ودرج على ذلك بقية من أصحابه، وإنما أعرض هنا طائفة من المواطن التي تقيم الحجة على ما يسند إلى الرسول غير صحيح؛ وأنه أنشد بضعة أبيات في أحوال متعددة من دون أن يخرجها عن سننها.
فلقد أنشد صلى الله عليه وسلم في حفر الخندق من شعر عبد الله بن رواحة:
هذا الحِمال لا جمال خيبْر ... هذا أبرُ ربَّنا وأظهر
ولكن ابن شهاب الزهري قال تعليقاً على هذا تخلصاً من الحجة التي تقع على القاعدة الموضوعة في هذا الأمر، قال:
(ولم يبلغنا في الأحاديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمثل ببيت شعر تام غير هذا البيت)
والحقيقة أيضاً خلاف هذا إذ أنه صلى الله عليه وسلم أنشد في حفر الخندق أيضاً لابن رواحة على ما رواه البخاري، ومسلم والمؤرخون:
والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا