للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[البريد الأدبي]

النواحي الإنسانية في الرسول

قرأت كلمة للأستاذ زكي مبارك في العدد (٢٩٧) من مجلة الرسالة الغراء تحت هذا العنوان، وقد بنى هذه الكلمة على أساس أن شخصية النبي صلى الله عليه وسلم لم تدرس حق الدرس إلى اليوم في البيئات الإسلامية، لأن المسلمين يجعلونه رسولاً في جميع الأحوال، فهولا يتقدم ولا يتأخر إلا بوحي من الله، ولا يأخذ ولا يدع إلا بإشارة من جبريل.

ولو أن الأستاذ زكي مبارك رجع إلى ماضيه في الأزهر فقرأ شيئاً من كتب الأصول، لعرف أن المسلمين لم يكونوا بهذا الشكل الذي يصورهم به. وقد نعذر بعض المستشرقين إذا قال مثل هذا القول، ولكنا لا نعذر الأستاذ زكي مبارك، وقد تربى بين شيوخ الأزهر، ودرس الكتب الأزهرية، ووصل فيها إلى الحد الذي جعله يقدم نفسه من عامين لامتحان شهادة العالمية.

فليس بصحيح أن المسلمين يعتقدون أن النبي لا يتقدم ولا يتأخر في جميع أحواله إلا بوحي من الله، ولا يأخذ ولا يدع إلا بإشارة من جبريل، والذي يعرفه المسلمون جميعاً أن الوحي لم يكن له مع النبي صلى الله عليه وسلم شأن في أمور الدنيا، حتى ورد عنه هذا القول المشهور: (أنتم أعلم بأمور دنياكم) وقد قال هذا حينما رأى قوماً يؤبرون النخل، فقال لهم: لو تركتموه لصلح، فتركوه اتباعاً لقوله ففسد، فلما رجعوا إليه قال لهم: أنتم أعلم بأمور دنياكم.

أما أمور الدين فقد جوز أكثر العلماء له الاجتهاد فيها بدون الوحي، وجوزوا عليه الخطأ فيها أيضاً، ولهذا عوتب في القرآن الكريم بقوله تعالى: (عفا الله عنك لم أذنت لهم) وبقوله: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض) وقال صلى الله عليه وسلم: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدى).

وقد منع بعض العلماء أن يجتهد النبي في الأحكام من نفسه واستدلوا بقوله تعالى: (وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحي) وأجاب الذين ذهبوا إلى جواز ذلك بأن هذا مختص بالقرآن الكريم، وقد جاء رد لما زعمه المشركون من افترائه له.

فهل بعد هذا كله يصح أن يقول الأستاذ زكي مبارك: إن شخصية الرسول لم تدرس عند

<<  <  ج:
ص:  >  >>