أما المربد، على وزن منبر، فضاحية من ضواحي البصرة؛ في الجهة الغربية منها ما يلي البادية، بينه وبين البصرة نحو ثلاثة أميال. كان سوقاً للإبل، قال الأصمعي:(المربد كل شيء حبست به الإبل والغنم. . . وبه سميت مربد البصرة؛ وإنما كان موضع سوق الإبل) وهو واقع على طريق من ورد البصرة من البادية ومن خرج من البصرة أليها. ويظهر أنه نشأ سوقاً للإبل، أنشأه العرب على طرف البادية يقضون فيه شؤونهم قبل أن يدخلو الحضر أو يخرجوا منه.
وقد كان العرب في بادية العراق قبل الفتح الإسلامي؛ ونزلت فيه قبائل من بكر وربيعة، وكونوا فيه أمارة المناذرة في الحيرة؛ فكان هذا الإقليم معروفاً لهم وكانت الرحلات من البادية إلى العراق، ومن العراق إلى البادية في حركة مستمرة (ومعلوم أن البصرة إنما خططت في الإسلام في عهد عمر بن الخطاب ونزل بها العرب على منازلهم من يمنية ومضرية) ولكن يظهر أن المربد كان قبل أن تخطط البصرة، وكان قبل الإسلام؛ وربما فهم ذلك من قول الطبري: بعث عمر بن الخطاب عتبة بن غزوان فقال له أنطلق أنت ومن معك حتى إذا كنتم في أقصى أرض العرب وأدنى أرض العجم فأقيموا. فأقبلوا حتى إذا كان بالمربد وجدوا هذا الكذان قالوا ما هذه البصرة.
وقال في اللسان (في مادة ب ص ر) وقال أبن شميل: البصرة أرض كأنها جبل من جص وهي التي بنيت بالمربد وإنما سميت البصرة بصرة بها. ولكن أخباره في الجاهلية منقطعة أو معدومة مما يدل على قلة خطره إذ ذاك، إنما كان له الخطر بعد أن فتح العرب العراق وسكنوه وخططوا البصرة، فقد أنشئت فيه المساكن بعد أن كان مربداً للإبل فقط. واتصلت العمارة بينه وبين البصرة حتى قالوا فيه:(العراق عين الدنيا، والبصرة عين العراق، والمربد عين البصرة، ودارين عين المربد)