للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

أعاصير

للأستاذ أحمد القادر الصاوي

خرجت إلى الطريق وفي رأسي معركة، ومشيت ومشيت، ولكنني كنت أمشي داخل نفسي، وطالت الطريق. . ترامت أمامي وامتدت. . ترامت كما يترامى الزمن ويمتد، وصعدت فيها وهبطت. وحين تطلعت بعيني لأرى ما بقى، رأيت أنه على مسافات. ومشيت ومشيت.

وكان يخيل إلي أحيانا أنني لا أمشي، بل أسبح.

وصلت، وقدامي تتخاذلان. وتواريت في حجرتي وتهالكت إلى سرير نبت على جوانبه الشوك. وتلتفت نحو نفسي المنهوكة أسالها العون. وقادتني إلى مستقبل عبوس. قطعة من ظلام دامس خضتها حائراً.

وطاف بي أمسي نقلني باردة. وانسكب وجداني في أودية من الذهول. . عميقة مظلمة.

ودققت في أمري. واكتشفت أني مريض برضاي. وفرحت جداً. . سأتخلص من الداء بيد أنني فشلت تماما واستلقيت في أحضان أوهامي، وسريعا شملت كل أفكاري.

وأغمضت العينين. وإذا بي أتهادى وسط مواكب ومشاهد، الذكريات مواكب، والأحداث مشاهد وتتابعت سلسلة من الصور طويلة جداً وما برح الذهن يجذبها إليه، فتطوي فيه طيا. وراح - وهو يستعرضها - ينمقها. . يشيد هذا الماضي الوارف. إن للماضي رونقا.

واستيقظ على صوت يناديه إلى الطعام. قام مرتبكا. وألقى جسده على أقرب كرسي. ومد يدا فاترة. وسأله:

- مالك! - وأجاب - لا شيء.

واستجمع همته ليسترد نشاطه المسلوب، فتضاحك: - تعجلتم.

- بل تأخرنا كثيراً.

وعلته دهشة، لأنه ما كان يحتج على تأخر الغذاء. وقيل له: - تعزمك؟

وأكل أثقل طعام. وأوهم من حوله أنه امتلأ. تنهدت والدته وتعجبت أخته.

وأقبل الأصيل. وهبت الريح شديدة عاتية. وسمع لها هواء رهيبا. وتمضي فترة تتكشف

<<  <  ج:
ص:  >  >>