القعب واحة مشرفة بين صحراء محرقة، يشتد بها الحر ويعنف فيها القر، تكاد تصعب فيها السكنى وتستحيل الإقامة، لولا أن الله وهب لنا تلك الواحة البهيجة، والروضة النضرة، فتوقت إليها السكنى وطيبت بها الإقامة وحببت فيها الحياة.
ليس القعب واحداً في عدّه، ولا شاسعاً في بعده فهو عدة واحات متقاربة الأطراف مختلفة الأسماء، متحدة المنفعة والدواء، سُميت بالقعب في مجموعها، ولكن لكل قعب منها اسم خاص به، كقعب اللقية وهو أشهر، والسواني، وأبو نمل، وما إليها، مما يبلغ العشرة أو ينيف عدّاً.
يشغل القعب جزءاً كبيراً في الجزء الغربي من مديرية دنقلا، ويبعد عن النيل بضع ساعات، ويسافر إليه بالمطايا نظراً لقلة السيارات في هذه المدينة، ولكنها ستعم في المستقبل القريب كل أنحائها ولا سيما بعد أن انتظم طريق المواصلات بالسيارات بين مديريتي دنقلا وحلفا. ولا يفوتنا أن مشقة السفر هذه لا تمنع الوصول إليه على متون الإبل بأجرة زهيدة وزمن وجيز، وخصوصاً إذا توجه المسافر إليه من مدينتي دنقلا وأرجو، أو من إحدى القرى المنتثرة بينهما على طول الطريق، ويبتدئ موسمه عادة في آخر فصل الصيف في الزمن الذي يقرب أو يتم فيه نضج البلح الذي له - على ما يزعم البعض - أثر كبير في الشفاء وصحة البدن، ويصنع منه شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس، منه ما هو سائغ الطعم لونه أصفر مشرب بحمرة، حلو لذيذ لا يسكر، يسمى (الشربوت) ومنه ما هو مُر المذاق حائل اللون يسكر في الغالب، ويطلق عليه (الدكاي) وكلا النوعين مفيد للصحة، محدد للنشاط، مقو للبدن.
والقعب بلدة طيبة المناخ غنية خصبة الثرى وافرة النعيم، يؤمها البدو صيفاً ويرحلون عنها شتاء ينتجعون الكلأ والماء، ويطلبون الغنى والثراء من أكف المرضى وأيدي السائحين