الذين يفدون إلى القعب زرافات ووحداناً من أقصى جهات السودان وبعض البلدان الأخرى. يقاضونهم أجراً على عملهم ومسكنهم، ويمنحونهم فيضاً من نعمهم. وفضلهم، على أن هاته الأجور وتلك المنح لا يأخذونها من جراء الكراء وتملق النزلاء وحب الاستجداء، كلا، ففطرة البدوي الصميم تأبى عليه أن يتطلب الغنى والجاه من سبل كهذه، لولا أن حاجات العيش الملحة ومطالبه الكثيرة ترغمه على أن يتقبلها كارهاً طائعاً إذ لا سبيل لعيشه بدونها؛ وهو لسمو نفسه وكرم يحتده لا يقبلها إلا بعد أن يرهق بدنه في هناء ضيفه وخدمة نزيله لما رُكّب فيه من طباع الكرم والنجدة والمروءة، وبعد أن يقدم له قرى فاخراً وهدايا جميلة من حمر النعم، وطيب الغنم، ومشتهى الأزاذ، وهي كل ما تصل إليه يد ذلك البائس الكريم، والبدوي إلى ذلك لطيف المعشر بسام الثغر، سريع البدار إلى لقاء الزوار، يستقبلهم بطلاقة ويحييهم يبشر، ويستدبرهم بكرم غيب وطيب ذكر، تلمح في وجهه سمات السذاجة المشوبة بالجهل، وآيات الوداعة الممزوجة بالأنفة والإخلاص مع بساطة عيش وهدوء نفس، وصبر جميل على معاناة النوائب والشدائد.
وهؤلاء البدو لا يختلفون - عادة - عن باقي العرب في أساليب العيش والسكنى وطرق التفكير والتدبير في شئون الحياة، فعيشهم تغلب عليه البساطة، يعتمدون في غذائهم على الألبان واللحوم وبعض التمر والحبوب، أما مسكنهم فحقير متواضع، مصنوع من القش والوبر وخشب النخيل، إلا أنه مع تواضعه وحقارته نظيف الحجرات بارد الظل والنسيم، بديع الشكل. ويعتمد البدو كثيراً في جلب قوتهم على الاحتطاب، وهو أهم موارد رزقهم لفقر بلادهم المجدبة التي لا تصلح أن تكون إقليماً زراعياً مع خصوبتها لندرة الأمطار وصعوبة الري.
وأرض القعب رملية ناصعة تصمد طوراً حتى تكون نجداً، وتهبط آخر حتى تنحدر إلى وهد أو سهل فسيح تنتشر فيه هنا وهناك كثبان الرمل المتقاودة، وقد قامت فوقها أشجار النخيل الباسقة حانية أغصانها الخضراء المورقة فوق سفح الوادي وحول حافة الينبوع، ومن بينها تتدلى أقناء البلح موشاة بصفرة الذهب وحمرة العقيق، فيتكون من ذلك منظر طبيعي جميل تتجلى فيه الطبيعة بأجلى معانيها وأروع صورها الفاتنة الساحرة. هناك تحت ظلال النخيل وفوق الرمال وحوالي الينبوع، حيث تخلد النفس إلى الراحة وتنعم بالهناء