ذكر صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ رزق الزلباني في مقال له (السياسة الدستورية الشرعية) نشر في عدد صفر سنة ١٣٦٦هـ من مجلة الأزهر حكما في رأي الأكثرية لا يصح أن يترك من غير أن تبين حقيقته الدينية، لأنه يتعلق بأمر له خطرة في نظام الحكومات الدستورية الحاضرة، وقد أخذت به الحكومات الإسلامية في هذا العصر، فتألف في كل حكومة منها مجلس نيابي يقوم نظامه على الأخذ برأي الأكثرية، وقد رأى فضيلة الأستاذ أن هذا يخالف السياسة الدستورية الشرعية، لأنها توجب رد المتنازع فيه بين أولي الأمر إلى الكتاب والسنة، ولا توجب الأخذ برأي الأكثر كما توجبه الحكومات الدستورية في عصرنا، ثم ذكر أن ما درجت عليه الشريعة من ذلك أدنى إلى الصواب، وأجدر بتحقيق المصلحة واتفاق الكلمة، لأن الأكثرية قد تكون من حزب واحد ينصر بعض أفراده بعضاً في الحق وفي الباطل، فمتى شاء زعماء الحزب تقرير أمر ولوبباعث المصلحة الشخصية تبعهم الباقون من أعضائه، فيصبح ما قرروا واجب الاتباع لأنه رأي الأكثر، وإن كان ظاهر الضرر قبيح الأثر، فتضيع المصلحة العامة، وتتزعزع ثقة الأمة بأمثالهم، وتجد الفتنة والتفرق طريقهما إلى النفوس، وفي ذلك الخطر كل الخطر، وفي الرد إلى الله والرسول اطمئنان كل نفس وراحة كل ضمير، وضمان وحدة الأمة وسيرها على صراط مستقيم.
ولا شك أن ما ذهب إليه فضيلة الأستاذ من رد المتنازع فيه بين أولى الأمر إلى الكتاب والسنة هو ما جاء في قوله تعالى في الآية - ٥٩ - من سورة النساء (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) وقد ذكر المفسرون أن ذلك خاص بأمور الدين، فهي التي يرجع فيها عند التنازع إلى كتاب الله عز وجل، وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم ما دام حياً، فإن مات ردت إلى سنته، فإن لم توجد في كتاب الله ولا في سنة رسوله فسبيلها الاجتهاد، وقيل الرد إلى الله ورسوله أن يقولوا لما لا يعلمون: الله ورسوله أعلم.
فأما أمور الدنيا فقد فوض الأمر فيها إلينا، نحكم فيها بما فيه مصلحتنا، ونرجع فيها إلى ما يراه أولو الأمر فينا، كما قال تعالى في الآية - ٨٣ - من سورة النساء، (وإذا جاءهم أمر