وصل الفائت: أثبت بدستور أن تخمر عصير العنب وفساد اللبن واللحم مرجعها كلها إلى وجود أحياء صغيرة يحملها تراب الهواء، وإنه كلما قل تراب الهواء قلت الأحياء التي فيه حتى تكاد تعدم. واليوم نقص كيف طبق علمه على حالتين ونجئ به صناعتين كان مآلهما الخراب: صناعتين الخمر وصناعة الخل، فأثبت للناس كيف يلي العلم دعاء هم في شدة المحنة وظلمة اليأس.
وبدأ مرة أخرى يرى فرنسا كلها كيف يستطيع العلم أن يوفر المال لصناعتها. فحزم صناديق ملأى بالأواني والأجهزة الزجاجية، وحزم معها مساعداً نشيطاً من مساعديه أسمه (ديكلو)، وسافر مسرعاً إلى بلده القديم (أدبوا) ليدرس أمراض الخمور وما نزل بهذه الصناعة من الدمار. واتخذ معمله في مكان مقهى عتيق. واكتفى عن مصابيح الغاز بموقد من الفحم النباتي قام (ديكلو) عليه يؤجج جمراته بمنفاخ في يديه شغله طويلاً في غير ملل أو كلل. وكانا كلما أراد الماء ذهب (ديكلو) إلى مضخة القرية يستقي منها. أما ما احتاجوه من الأجهزة فصنعه لهم نجار القرية وسمكاريها في غير أناقة كبيرة، وذهب بدستور إلى معارفه الأقدمين يسألهم بضع زجاجات من الخمر، المرة، والخمر الهلامية، والخمر الزيتية، واختصاراً من كلُّ خمر فاسدة مريضة. كان بستور قد أيقن من أبحاثه السابقة أن الخمائر هي التي تصنع من عصير العنب خمراً، فلما جاء اليوم يبحث أدواءها وقع في نفسه أن هذه الأدواء لا بد ترجع إلى أحياء مكرسكوبية أخرى.
وما أسرع ما تحققت نبوءته! فما كاد يصوّب عدسته إلى الخمر الهلاميّة حتى وجدها تعجّ بمكروبات جديدة غريبة غاية في الصغر يتصل بعضها ببعض كالعقد النظيم. ونظر إلى الخمر المرّة فوجدها مليئة بنوع جديد من الأحياء. ونظر في الخمر الفاسدة الأخرى فوجد