يروي كثير من الناس عن بعض الذين ماتوا من أقربائهم أو أصدقائهم، أن هؤلاء، عندما حضرهم الموت كانوا يهتفون بأسماء بعض الذين سبقوهم إلى الدار الآخرة. ويروي الراوون أن المحتضر كان يتحدث إلى (الموتى) كما لو كانوا منه على مرأى وعلى مقربة. أما قول الناس في تعليل ذلك فهو أنه هذيان نتيجة اختلال الشعور. وبعض الناس يسلم بالعجز عن تعليل هذا الأمر. والجميع يعرفون بالتجربة أن المريض إذا (نادى على الأموات) على حد قولهم، فقد تحقق دنو أجله، ولم يعد ثم أمل في تماثله.
هذه الظاهرة معروفة مشهورة في بيئتنا المصرية، ولا أحسب القارئ الكريم ألا قد سمع بها، إن لم يكن شهدها بنفسه. ولكن أرجو ألا يحسبها قاصرة على البيئة المصرية، أو على أية بيئة معينة، فالواقع أنها شائعة في العالم اجمع، ومعروفة بين بني البشر على اختلاف جنسياتهم وألوانهم ومدنياتهم ودياناتهم. وهي، بالنظر لشيوعها هذا، خليقة أن تسترعي اهتمام الباحث المفكر، سيما وأنها تتصل بذلك السر الأعظم: الموت. هذه الظاهرة قد استرعت فعلا اهتمام من اشتغلوا بالبحوث الروحية، وهي عندهم عظيمة الدلالة والخطر.
أمامي الآن كتاب أخرج في عام ١٩٢٥، لأحد كبار الباحثين الروحيين الإنكليز، هو سر وليم باريت، عضو الجمعية الملكية البريطانية وفي هذا الكتاب دراسة مستفيضة لتلك الظاهرة الشائعة، ومن يتصفحه ير كيف يمكن أن يصل الباحث إلى نتائج خطيرة من ظواهر مشتتة لا تحمل في ظاهرها دلالة ولا قيمة علمية. عمد الباحث المذكور إلى دراسة هذه الظاهرة دراسة استقرائية على طريقة العلم الحديث التي بلغت به إلى ما بلغ. تلك الطريقة القائمة أولاً على شهود أكبر عدد ممكن من الظواهر، ثم وصف تلك الظواهر بدقة وتفصيل وصدق، ثم المقارنة بينها وملاحظة ما فيها من عناصر مشتركة، ثم استنتاج ما يمكن استنتاجه. ويأتي بعد ذلك استنباط التجارب للوقوف على مبلغ صحة هذا الاستنتاج.
لجأ سر وليم باريت إلى أصدقائه من أطباء ومديري المستشفيات الكبيرة في مدينة لندن، طالباً تمكينه من زيارة من يحضره الوفاة من المرضى كلما سمحت الظروف وسمح ذوو المريض، فحضر بنفسه عدداً كبيراً من الحالات، ودون ما شاهده وسمعه، وكانت تعاونه