رأينا ما كتبه الأساتذة خصوم الرافعي وأنصاره فسرنا أن نلتمس النقد وساءنا أن نجد ما لا يرضي. وما كان لمثلي أن يلج هذه المعركة ناقداً أو حكماً قبل أن تنتهي لئلا يفوتني شيء من مواقفها فأصدر عن جهل فيما أحكم وأقايس، فأقع في السنة النقاد وأقلامهم، ويالها من ورطة حامية الوطيس إذ ذاك. غير أني آثرت الإقدام إذ وجدتني مضطراً - بعد تفكير - لتقديم رأي قبل أن تنتهي هذه المعركة، ويلوح لي أنها لا تنتهي، لعلي أصل إلى بعض ما يمكن أن يصل إليه حكم عدل وناقد بريء. فأقول:
قبل كل شيء يجب أن نعرف أن كل إنسان يستطيع أن يسيء وليس كل إنسان يستطيع أن يحسن وإذن فلا يصح أن يعتبر السوء يوماً ما أداة لمفخرة أو تكأة لمكرمة، لأن الناس كلهم فيه سواء ولأنه سوء أيضاً؛ وعلينا أن نتوسع في معنى السوء - كما نتوسع في معنى الحسن - ولندرك جميع شظاياه التي تفتك وتؤذي. وإذا توسع الأديب في ذلك أدرك الخطر وتسنى له أن يطير - كما يطير في كل مجال - إلى خيالاته العذبة ليفصل على جسم هذه الحقيقة ثوباً يليق، حتى إذا ما رأى حقيقة ماثلة بثوبها الخيالي الفخم أعطي كل شيء حقه ثم أهتدي إلى أن هذا الضرب من المعاملة الخشنة لا يجدي ولا يفحم، بل يؤذي ويؤلم، ولا سيما إذا كان مصدره الأدب والأدباء والنقد والنقاد
عاش الرافعي ليكتب أدبه ثم يموت؛ وقد أراد الله للرافعي أن يكون في هذه الدنيا عجباً، وشاء أن يجعل أدبه نسخة عجيبة لم ينسج على منوالها قلم لتكون مشكلة من المشاكل التي يختلف عليها الناس فيذهبون في تأويلها مذاهب شتى وللناس مذاهب فيما يعشقون
أما الرجل فقد مات، وأما أدبه فموجود، وأما آراء الناس فيه فكثير؛ ويعجبني التقدير للجهد والاحترام للأدب والإنصاف في النقد والحسن في الخلق. وإذا تم للرأي في هذا القانون والكامل أصدر عن روية ونقد في نزاهة وسبر غور الموضوع كالطبيب الماهر الذي كيف يحتال للجراحة وتفاصيلها ليصح المريض على يديه لا ليموت. وبعد ما مات الرافعي جعلت أرقب أقوال الناس، أرهفت أذاني وأيقظت نفسي؛ وكان أن كتب الزيات وغيره مقالاتهم في هذا الشأن فجثمت لقرأتها والتأمل فيها فأجتمع لي بعض الرأي وأعقب ذلك