للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[أبو سمبل]

للأستاذ عباس محمود العقاد

أمسينا في جو مفعم بالزجر والعيافة، مغلف بالأحاجي والأسرار؛ يتكلم المتكلم فإذا هو عائف أو زاجر من حيث يريد ولا يريد، وإذا هو معرض عما بين يديه وتحت عينيه لينظر إلى عالم الغيب ويستعجل العلم بغده المحجوب، وبالذي يجري في ساعته تلك على مدى الألوف من الأميال

وحق للناظر تلك الليلة أن يعرض عما بين يديه وتحت عينيه! فماذا كان في الحق بين يديه وتحت عينيه؟

منظر واحد يتكرر ثم يتكرر ثم يتكرر في غير تبديل!

هضاب ورمال، ثم هضاب ورمال، ثم هضاب ورمال. . . ثم نيل ينتظمها ويجري في خلالها، ليزيد التشابه بينها ولا يزيدها شيئاً من التبديل أو التنويع

فإذا طالت نظرة العين إلى تلك المتشابهات فهي كالعين المنوَّمة التي حدجت بالنظر شيئاً واحداً حتى غاب عنها وغابت عنه، فاستسلمت لما يوحي إليها من الأنباء، وما يكشف لها من الأسرار

هنالك علمنا منشأ الزجر والعيافة من قديم. فلا يزجر الزاجر ولا يعيف العائف إلا وبه نقص من حظ العيان، وحاجة إلى العلم بالفهم والسماع

وكنا في مثل تلك الحاجة ليلة الزجر والعيافة

فتركنا معركة العلمين ناشبة في بدايتها ونحن لا نسمع كثيراً ولا قليلاً عنها، وانقضى الليل وطرف من النهار ولا خبر ولا رواية، ولا إشاعة كتلك الإشاعات التي يخترعها المرجفون ولها صبغة من الخبر والرواية

وما معركة العلمين في تلك الليلة وفي كل ليلة تأتي بعدها إلى أقاصي التاريخ؟

هي معركةٌ سماها القدر ولم يسمها الجيشان ولا صحف الأنباء أو مطلقو الأسماء على معارك القتال

هي معركة علمين اثنين تتلخص فيهما جميع الأعلام التي تظل المتقاتلين اليوم في كل ميدان

<<  <  ج:
ص:  >  >>