- (ما عهدتك تمضي ليلتك في السامر ياجساس، أكان حديث القوم عذباً فألقيت إليه السمع، أم كان لسانك ذرباً فدفعت عن بكر؟).
- (نعم يا خالتاه. لقد دفعت عن بكر بلسان صدق في السامرين، ودفعت هذه القرية التي يسددها كليب لنا في كل مجمع وناد، ولم أنس يا خالتي أن أدفع عنك مقالة السوء التي نالك بها كليب، فقلت للقوم: إنكم تعلمون موضع البسوس من أهلها وتعلمون موضع أهلها من العرب. ومن كانت في هذا الشرف من القوم فما أبعدها عن السعاية والوقيعة. وما نقموا من البسوس يا قوم إلا ما اشتهرت به حماية الجار، وحفظ الذمار؛ وهي بعد ليست ثرة ولا نمة. واندفعت يا خالتاه أقرع حجج كليب حجة بعد حجة: وأورد فرياته فرية بعد فرية، فإذا القوم على كليب ساخطون، وعلى بكر وبني شيبان عاطفون.)
هشت البسوس بنت المنقذ لمقالة جساس ابن أختها، وضمته إلى صدرها وقبلته في مفرقه. واستوت تقص عليه ما سمعت من نساء الحي. ولم يكن للحي من حديث في سامرهم وناديهم ومجمعهم إلا ما بين بكر وتغلب من إحن وحفائظ أخذت البسوس على نفسها عهداً بإذاعتها في القوم وإفشائها في غير قصد ولا أناة. قالت: (هذا كليب بن ربيعة التغلبي قد أخذته العزة بالإثم وبغى على قومه لما دانوا به من الطاعة له والانقياد لسلطانه، حتى بلغ من بغية أن يحمي مواقع السحاب فلا يرعى حماه، ويجير على الدهر فلا تحفز ذمته، ويحمي الوحش في مسارحه فلا يهاج، ولا تورد إبل مع إبله، ولا توقد نار مع ناره. ولقد أخذت الناس رعدة من قوته وسلطانه. وضربوا الأمثال بعزته وطغيانه، وما مبعث هذا البغي وهذا الطغيان إلا النصر الذي أحرزه يوم خَزَازَى حين قاد معداً ففض جموع اليمن. وما النصر يحرزه القائد إلا الفضل الذي أفاضه عليه الجنود، بالتفافهم حول لوائه واندفاعهم على العدو. فما كان القائد ليحرز نصراً لو تخلى عنه الجنود. ولكن قد يحرز الجند نصراً وقد ولى عنهم القائد. على أنه يا ابن أخت، لو كان فيه ذمامة من حياء، أو بقية من وفاء، لما تعاظم على قوم رفعه، ولا تكاثر على شعب رفده. ولو كان ممن يرعون