على جوانب الشارع مرة، وتارة كانت تستلفت أنظارنا الأنوار الحمراء التي تضيء أسماء الحوانيت، وتارة أخرى تسترعي أبصارنا الإعلانات الوضاءة. . .
وعلى حين سمعنا صوتاً جهورياً مرتجفاً. ولما نظرنا خلفنا وجدنا ميني واقفة فوق سريرها باسطة ذراعيها، وتكاد تنخلع من الرعدة. فأسرعنا إليها ولكنها فزعت منا. وقذفت بنفسها من السرير فارتطمت بالمرآة. وحدقت أولاً في قميص نومها ثم في قبضة يدها. ثم دفعت وجهها ليلتصق بالمرآة. ونظرت إلى صورتها وحدقت فيها كأنما تريد اكتشاف كنه ما بها
- (أي نعم، إن الأمر لهو كذلك. إنني أراه جلياً واضحاً. نعم، إنني أنا هو. إنني لست من لحم ودم. كلا، كلا. إنني أنا ذلك الإنسان الصناعي وما كنت أدري ذلك من قبل)
فصاح كل منا:
- (ميني!)
- (لا إنني أفهم الآن كل شيء. إنني متأكدة إنكما لن تعرفا ذلك. . . ولكن ماذا، أنا فاعلة الآن؟ وماذا في وسعي أن أعمله؟ سامحني يا رينيه! الذنب ليس ذنبي)
حاولنا أن نمسك بذراعيها، وهي تحدق في الفضاء. . ولكنها رفعت يدها وأشارت نحو الباب وقالت:
- (ماذا هنالك؟)
- لاشيء، لا أحد يا ميني، هدئي روعك!
- ولكن هنالك. . . . .، هنالك، من هنالك. . .؟ انظروا انظروا من هو؟
وشع ضوء مخيف من عينها كسا وجهها ضياء جافاً، وانطلت علينا الحيلة، وذهبنا إلى الباب لنهدئ من حدتها. وما كدنا نصله حتى التفتنا إلى الخلف دون سبب، ولكن بعد أن فات الأوان، إذ وقفت ميني كعفريت من الجن على حافة النافذة. فلم نتمالك من الصراخ وهرعنا إليها. ولكنها كانت قد قذفت بنفسها إلى الشارع. ولم يبق منها إلا قطعة من قميص نومها معلقة في يد رينيه. وساد السكون ثواني حسبناها ساعات وإذا بجسدها يرتطم بالإسفلت فيقضي على أنفاسها وعلى هواجسها