تكلمت في العدد ٤١٨ من الرسالة على قولهم (من جديد) وأوضحت أن هذا التركيب مما جناه جهلة المترجمين، وان كتابنا وبلغاءنا قبلوه من غير تفكير ولا بحث، فوشج بلغتنا، وعاد مما لا يستطاع استئصاله منها - كغيره من الطفيليات التي أغارت عليها - ألا بطويل جهاد وكبير عناء
ثم تذكرت بعد أن كتبت تلك الكلمة أني كنت قد قيدت في كناشتي طائفة مما فشا بيننا من أمثلة سوء الترجمة. فعدت أليها، وتخيرت منها ما ارجوا أن أوفق لنشره في هذه المجلة كلما ساعفت الفرصة
فمن ذلك استعمال (عَبْر)(مصدر عبر النهر وغيره: إذا قطعه إلى الجانب الأخر) ترجمة للكلمة الإنجليزية يجعلوها في نسج الكلام ظرفاً - كما يصنع الإنجليز بكلمتهم - فأخرجوها عن معناها ووضعها اللغوي بلا مسوغ مطلقاً
وكثير ما نراها هكذا في البرقيات والتعليقات الحربية، وفي وصف الغارات والحركات العسكرية، وفي الخطب السياسية وغير ذلك
وأني مورد لهذا الاستعمال الخاطئ ثلاثة أمثلة قبستها من الصحف، ليتضح بها المقام
١ - ومن زمن قريب ادعت اليابان لنفسها حق مرور قواتها (عبر) شمال الهند الصينية
٢ - وسنواصل كل شهر قذف. . . بالقنابل الشديدة الانفجار كلما فرغت مصانعنا من إخراج طائراتنا الضخمة، أو جاءت إلى هنا (عبر) الأطلنطي
٣ - لهذا وصلوا بين باكو وباطوم (عبر) القوقاز بأنابيب
(فظرفية)(عبر) المفتعلة واضحة في هذه المقتبسات، يدل عليها متعلق (الظرف) في كل
وقد يسبق إلى الوهم أن هذا العبث مما يمكن تخريجه على وجه صحيح: كأن يحمل مثلاً على حذف عامل المصدر
ولكن قليلاً من التأمل فيما أسلفت من الأمثلة وفي غيرها يذهب بهذا الوهم. على ان قواعد حذف عامل المصدر وأمثلته مبسوطة مفصلة في موضعها. وليس هذا مما يدخل منها في باب أو يمت له بصلة