ما كادت تلوح بالأفق خيوط النهار الفضية الأولى، حتى كنا انتبهنا من نومنا: ديقاي وأنا، وقد أزمعنا الذهاب لصيد البط في ضواحي الهرم، وكان كل منا يحمل بندقية ذات عيارين وعدداً كبيراً من الخرطوش، عدنا السيارة ونحن أشد بهجة من فصائل اسكندر المقدوني الفتية لدى زحفها على أسيا.
أما المدينة فكانت غارقة في النوم في تلك الساعة المبكرة ساكنة بأحقادها وشهواتها، ولم يكنأحد مستيقظاً، اللهم الا محرك سيارتنا.
سارت بنا السيارة في شارع الهرم، ولما بلغنا المستنقعات الواقعة في الجهة الغربية من طريق الهرم، غادرناها وركبنا زورق طلي بالطلاء الأسود حتى لا نشعر البط بوجودنا بالمستنقع، وكان موجوداً بكثرة على سطح الماء. . هل كان البط نائماً وقتئذ؟ لم يكن لدينا شك في ذلك برغم اعتراض دليلنا - وكان فتى قرويا - وذلك لسكونه سكوناً عجيباً. .
ولكنا كنا مخطئين إذ لم نكد نقترب منه حتى انطلق في الجو. كأنه سهم ناري فأطلقنا عليه البنادق في الهواء ولكن بدون جدوى رغم عدده الكثير. . لقد ظهرنا في عيني دليلنا القروييادين غير ماهرين، فانتزع بندقية أحدنا وأطلق طلقة واحدة أسقطت بطة في الحال!
وا أسفاه على الدروس التي تلقيتها فيباي للصيد في الهواء! كنت أتمرن وقتئذ على البيض، يقذفون لي البيض في الهواء فأطلق عليه بندقيتي فاذا أصيب البيض وهو ما كان يقع نادراً - سال فأمطرنا مطراً اصفر.
وبعد محاولات يائسة لصيد البط، غادرنا المستنقع إذ لم نجد سبيلاً إلى البط فهو شديد الفطنة. .
كيف يدرك البط الخطر على مسافات بعيدة؟ إن شأنه شأن الحمام الزاجل الذي يعرف طريق الوطن على بعد مئات من الأميال. هل تكشف لنا الطبيعة يوماً عن مثل هذه الأسرار؟
قبل أن نغادر تركنا لدليلنا القروي البطة التيادها هو، حتى لا تذكرنا فشلنا على الدوام. .
هل كنا نعود وقتئذ إلى المنزل؟ لم يكن في استطاعتنا أن نفعل ذلك، إذ لوعدنا لصرنا