للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[التعليم والمتعطلون في مصر]

للأستاذ عبد الحميد فهمي مطر

الثقة بين رجال التعليم

قبل أن يتناول بحثنا المدرسة المصرية الحالية، وما وقع في تكوينها من أخطاء، وما يجري بين جدرانها من نقائض وعيوب وما نقترحه في سبيل إصلاحها لتفي بالغرض من وجودها من مقترحات - لا بد لنا من التحدث إلى القارئ عن بعض الأمور الأساسية المتصلة بها اتصالا مباشراً لما لها من أثر فعال في تكوينها وتأثير قوي في كيانها. وهي أمور من الأهمية بحيث نرى أن من واجب طالب الإصلاح وضعها دائماً نصب عينيه، فرجال التعليم على اختلاف طبقاتهم يألمون أشد الألم مما يصيبهم من أذى وحرج بسبب ضعف الثقة بهم الذي تظهر آثاره من آن لآن، ويتردد صداه من وقت لآخر في كل مكان، ولكن لعل ذلك كله بدأ منا وانتهى إلينا، فكنا نحن مع الأسف الشديد السبب المباشر في وجوده والعاملين دائماً على استمراره

أن ضعف الثقة بين الرئيس والمرؤوس مسألة قديمة، وهي لم تقتصر على وزارة التعليم فحسب، بل انتشرت في جميع دواوين الحكومة المصرية، فأزعجت الموظفين وجعلتهم جميعاً يفرون من المسئوليات، ويلقون على غيرهم التبعات، وأفقدتهم التعاون والتضامن فتعطلت الأعمال وساءت الأحوال حتى نهض المثل السائر: يوم الحكومة بسنة، وأصبح معروفاً عند الخاص والعام. وكانت وزارة المعارف من أقدم الوزارات التي تمسكت بذلك وحرصت عليه حتى هان أمر كل مرءوس على رئيسه، وأصبح كل منهما يرى في الآخر عدواً يحاول اقتناصه والإيقاع به، وبرزت إلى الوجود بين المتحذلقين منهم مسألة الأوامر الكتابية، فكل كلمة تصدر عن رئيس لا تكون ذات قيمة إلا إذا كانت مكتوبة ممهورة بتوقيعه، وكثيراً ما رأينا أحد المدرسين يتحدى ناظر مدرسته بقوله: (أكتب إليَّ رسميا) فينزعج الناظر من ذلك ويخشى تلك الكتابة التي قد تجر عليه النكبات، إذ كثيراً ما أدت إلى الانقسامات بين صفوف المدرسين، والى الاضطرابات والارتباكات؛ وكثيراً ما قامت الوزارة وقعدت وأرسلت بمفتشيها لإجراء التحقيقات وتحديد المسئوليات كما يقولون، لذا نرى معظم نظار المدارس يعاملون المدرسين عندهم بكل حذر. بينما نرى بعض المدرسين

<<  <  ج:
ص:  >  >>