سرى الخبر في بغداد أن أمير المؤمنين المأمون قد أزمع البناء على بوران بنت الحسن بن سهل. ولقد طالما كان البغداديون يتنظرون هذا الخبر، ويستشرفون له، ويمنون أنفسهم بمظاهر الفرح الشامل، والطرب الكامل، تغمر الجو من حولهم، ويتجردون فيها من همومهم، ويمسحون بها على ما بقي من آثار الفتن الماضية في ذكرياتهم. فما إن انبعث ذلك الخبر حتى سرى في بغداد كلها، وأصبح حديث القوم الشهي إلى أنفسهم، الحظي عند أخيلتهم، وانتشر في المدينة جو من السعادة والغبطة جدير ببغداد الطروب
ثم علم القوم أن أمير المؤمنين قد أجمع على أن يتم على الحسن تكرمته، ويبالغ في ملاطفته، فيجعل الزفاف في بيته؛ وأنه منحدر في دجلة إلى ضيعته في (فم الصِّلح) حيث يقيم؛ فتهيأت بذلك الفرصة السعيدة لنفوسهم المرحة، فأخذ كثير من فتيان بغداد وسرواتها يعدون العدة للخروج في موكب الخليفة. فما جاء موعد الخروج حتى كانت دجلة تموج بالسفائن والزوارق من شتى الأشكال، وقد ركبها ألفاف من الناس من مختلف الطبقات: فهؤلاء من أهل اليسار والنعمة، قد نضدت لهم الفرُش، ووفرت لهم أسباب الترف، ووسائل الطرب، من قيان مثقفات، ودفوف وعيدان، وما إلى ذلك. وأولئك من أهل الحرفة، فهم يلتمسون النجعة، ويرجون التوسعة، ويأملون أن ينا لهم من ذلك الفيض الفياض ما تثلج له صدورهمثم نزل المأمون من قصر الخلافة، وحوله أصفياؤه وأصحابه إلى السفينة المعدة له، واتخذ مكانه فيها. وسارت السفينة جنوباً تتهادى في سيرها، ومن ورائها تلك السفن والزوارق، تنطلق منها نغمات العيدان، وأصوات القيان، حتى امتلأ جو دجلة مرحاً ونشوة
وكان يسير بازاء ذلك الموكب النهري الجميل الذي يمثل النزعة الفنية البغدادية، موكب رائع رهيب يمثل القوة العسكرية العباسية، يتألف من قواد الدولة وأجنادها، وقد ركبوا خيلهم وأخذوا سلاحهم وارتدوا أروع ثيابهم؛ وسار على رأسهم العباس ابن المأمون؛ وهكذا أخذ الخليفة طريقه إلى دار صهره.
وكان الحسن بن سهل قد ترك بغداد فراراً بأعصابه الرقيقة من زحمتها العنيفة، وأبعد في جنوبها حيث يطيب الهواء ويسود الهدوء؛ فأتخذ له قصراً ومعسكراً في بقعة هادئة جميلة،