اقترحت وزارة المعارف المصرية ذاك المقترح في تيسير (القواعد)، وأعلن أولئك الفضلاء (الميسرون) منهجهم، فقال قائلون من العلماء لما رأوه: إن هذا التيسير تعسير، وإنما تسهيل القوم تصعيب. وتجادل الفريقان في الجرائد والمجلات والكراريس. و (كتاب العربية) يقول: (فأما الزبد فيذهب جُفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)
والعربية هي كسائر اللغات وليست بأصعبهن، وإن نحوها - وإن لطفت دقائقه وجلت حقائقه - إلا كنحوهن
وليست المشكلة في صعوبة اللغة أو سهولتها ولا في (قاعدتها) وإنما هي في (المعلم والكتاب) فهما اللذان يسهلان ويصعبان، وهما اللذان يهديان ويضلان، وهما اللذان يحببان إلى الفتى لغته أو يكرهان. فالمعضلة كل المعضلة هي في المعلم وعلمه وتعليمه وكتاب كل صف من الصفوف وتبويبه وتربيته وتبيينه، ولو غزت الوزارة هذين لقرطست
ومن ظن أو أيقن أن تقريب العربية أو تسهيلها هو في تهديم قواعد فيها - فهو مهوَّس يهذي، أو موسوس يلغو. وليست اللغة العربية ملك كاتب أو كويتب، أو أديب أو أُدِّيب، أو عالم أو عويلم، حتى يتصرف فيها تصرف المتملكين، كلا، ثم كلا. إنها تراث قرون وملك أمم، فأين يذهب بكم يا لاعبون؟
واللغات في المشارق والمغارب إنما يقدم فيها ويؤخر، ويلغي ويعلق، وينقص أو يزيد، ويحيا أو يبيد - فأنه لا يفعل ذلك إلا الاحتياج الطبيعي أو الانتخاب الطبيعي وإلا الدهر، لا اللاعب العابث ولا الجاهل الغر. ولقد كان التبديل الطبيعي في هذا اللسان في كل عصر. ولو استمرت تلك المدنية، ولولا التتر والصليبيون المخربون في الشرق، والفرنج الجاهلون المدمرون في الأندلس في الغرب، لرأت الدنيا من ارتقاء العربية كل عجيبة