ذهب الناس يميناً وشمالاً فيما كتبناه من خبر الإمام سعيد ابن المسيب وتزويجه ابنته من طالب علم فقير بعد إذ ضن بها أن تكون زوجاً لولي عهد أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان؛ وقد جعلت قلوب بعض النساء العصريات المتعلمات تصيح وتولول. . . وحدثنا أديب ظريف أن إحداهن سألت عن عنوان عبد الملك بن مروان. . .
افتراها ستكتب إليه إنها تقبل الزواج من ولي عهده؟
على أن للقصة ذيلاً، فأن الطبيعة الآدمية لا عصر لها، بل هي طبيعة كل عصر. والفضيلة الإنسانية يبدأ تاريخها من الجنة، فهي هي لا تتجدد ولا تزال تلوح وتختفي؛ أما الرذيلة فأول تاريخها من الطبيعة نفسها، فهي هي لا تتغير ولا تزال تظهر وتستسر
لما زوّج الإمام ابنته من أبى وداعة وأخذها بنفسه إليه في يوم زواجها منه، ومشى بها في طريق حصاه عنده افضل من الدرّ وترابه اكرم من الذهب؛ طارت الحادثة في الناس واستفاض لهم قول كثير. (فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون.) وقد قال جماعة منهم: تا لله لئن انقطع الوحي فأن في معانيه بقية ما تزال تنزل على بعض القلوب التي تشبه في عظمتها قلوب الأنبياء؛ وما هذه الحادثة على الدنيا إلا في معنى سورة من السور قد انشقت لها السماء ونزل بها جبريل يخفق على أفئدة المؤمنين خفقة إيمان.
(وأما الذين في قلوبهم مَرَضُ فزادتهم رِجساً إلى رِجِسِهمِ.) وقال أُناس منهم: أما والله لو تهيأ لأحدنا أن يكون لصاً يسرق أمير المؤمنين أو ابن أمير المؤمنين لركب رأسه في ذلك، ما يرده عن السرقة شئ؛ فكيف بمن تهيأ له الصهر والحسب، وجاءه الغنى يطرق بابه - ما باله يرد كل ذلك ويخزي ابنته برجل فقير تعيش في داره؛ بأسوأ حال وكيف تثقل همته وتبطؤ وتموت إذا كان الدرّ والجوهر والذهب والخلافة؛ ثم ينبعث ويمضي لا يتلكأ عزمه إذا كان العلم والفقر والدين والتقوى
وانتهى كلام الناس إلى الإمام العظيم فلم يجئه إلا من الظن خفياً خفياً، كأنما هي أقوال حسبها تقال عنه بعد خمسين وثلثمائة وألف سنة في زمننا هذا، حين يكون هو في معاني