يا لله لفلسطين مشرق الهدى والسلام، ومهبط الوحي والإِلهام، ومجتَلى عين موسى، ومسرح قلب عيسى، ومسرى روح محمد، وقدس الأديان الثلاثة، وقبلة الإِسلام الأولى، ومهد الأنبياء، ومقبرة الرسل، ومعبد الشرق والغرب، ومجرى العسل واللبن!!
يا لله لفلسطين! ماذا فعلت بها الأحداث وجرَّت عليها المطامع؟ أبعد أن رفع الإسلام عنها آصار العبودية وأوزار اليهودية تعود بها المقادير السود إلى استعمار (طيطوس) القاهر، واستثمار (يهوذا) الجشع، فيعود إليها الفساد والفوضى والقهر والفقر والموت؟!
أبعد أن استخلصها للعروبة (عمرو الداهية) من (أرطبون)، وسجل استقلالها العالمي (صلاح الدين) على ناصية (جودفروا) يستبيح ذمارها طرائد البشرية وفي صدورهم تِراث الأمم وحزازات القرون، فينزلونها نزول الوباء، ويحلونها حلول الفتنة، ويمتصونها امتصاص العلق؟!
لقد قال المسيح لذلك اليهودي الذي منعه ظل جداره وهو مجهود، وقرى داره وهو جائع:
(ستظل تائهاً في الأرض حتى أعود. . .)
فهل عاد المسيح في ثوب (بلفور) أم كذبت نبوءة (السيد)؟ إن لعنة الله ودعوة المسيح لا تزالان تحرقان قدمي إسرائيل، فهو لا يثبت له قدم في أرض، ولا تطمئن له نفس في وطن؛ وكان من أثر ضلاله البعيد في الآفاق أن اكتسب خلائق النَّوَر: فهو يلصُّ ليعيش، ويخدع ليغلب، ويستوحش ليأمن، ويتعصب ليدافع، حتى انقطعت بينه وبين الناس وشائج النوع، فأصبح خَلْقاً آخر لا يألف ولا يؤلف. فمحاولة إسكانه مع غير أهله وفي غير أرضه تكذيب لكلمة الله وتزوير على قانون الطبيعة!
ليس بصددي اليوم أن أفند هذه السياسة المريضة فحسبها منطق الحوادث وأدلة الواقع؛ إنما أريد بهذه الكلمة أن أصور فلسطين العربية بين بحر يرشُّها باليهود والحرب، وقفر يحصبُها بالمرض والجدب، وأخواتها في العروبة وفي الإسلام مطمئنات على ضفاف الأنهر النضاحة بالنعيم، وعلى رياض السهول الفواحة بالنعمة، ينظرن إليها نظر الغرير الأبله وهي تمشي في النار، وتخوض في الدم، وتطلب القوت فلا تجده، وتنشد الأمن فلا تناله. أريد أن أصور حال هؤلاء الكماة الأُباة الذين يغاديهم الفزع، ويراوحهم الموت، وهم يدافعون عن حقهم في الحياة، وينافحون عن مرقدهم من الأرض، ويقولون للواغل الثقيل