للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وللحامي الدخيل: إنها موتة لا مناص منها. ولأَنْ تُنثر أشلاؤنا على أديم الوطن، وتقبر أجسادنا في ثرى الأجداد، أحب إلينا من أن نعيش عيش اليهود شرداء في كل طريق، طرداء في كل بلد!

لقد شن يهود الأرض على عرب فلسطين الحربَ في صراحة ووقاحة؛ وأعلنوا الجهاد الديني والقومي بالتطوع والتبرع، وسلحوا ذؤبانهم بالمنايا والمنى، ودفعوهم في وجه الحق والعدل والشرف ومن ورائهم مصارف اليهود تمدهم بالذهب، ومصانع الإنكليز تمدهم بالحديد؛ فانطلقوا يخرِّبون المدن، ويحرِّقون الحقول، ويقطعون السبل، ويحصرون المؤمنين الآمنين في أجواف الدور، وفي شعاف الجبال، لا يجدون منصرَفاً إلى الزرع، ولا سبيلاً إلى القوت. وقد شغلهم الدفاع المقدس عن الحمى والنفس عمن وراءهم من الشيوخ والأطفال والنسوة، فتركوهم يتضاغون من الجوع، ويرتعدون من الخوف، ويكابدون رُحاء الهموم على وطن يستبيحه الغريب، وشعب يتخطفه الموت، وحق يتحيفه الباطل، ومستقبل يتكنفه الظلام، وحال من البؤس تقطع الرجاء وتوهي الجَلَد لولا إيمان المسلم وبسالة العربي واستماتة المظلوم

فلسطين العربية كلها اليوم بين منفى يلوذ بكنف الأعداء، وضعيف يتباهى بالدعاء والبكاء، ومدافع يقتات بالعشب ويعتصم بالصحراء؛ وليس للمنفى شفيع إلا الأمل، ولا للضعيف عائل إلا الصبر، ولا للمدافع منجد إلا الأيمان.

أما إخوان النسب وإخوان العقيدة فكأنهم لا يملكون لمأساة فلسطين الدامية إلا عزاء المجامل، ورثاء الشاعر، ودعاء العاجز، وبكاء المرأة.

أيها المسلمون! إذا ذهبت عصبية الجنس فهل تذهب نخوة الرجولة؟ وإذا ضعفت حمية الدين فهل تضعف مروءة الإنسان؟ إنا لا نقول لكم تطوعوا، ولكننا نقول تبرعوا. وليس في التبرع للجريح بالدواء، وللجائع بالغذاء، نقض لمعاهدة ولا غدر بصداقة. وأقل ما يجب للقريب على القريب، وللجار على الجار، يدٌ تواسي في الشدة، وقلب يخفق في المصيبة، ولسان يحتج في المظلمة. فهل يزكو بعربيتكم والجود غريزة في كيانها، وبإسلاميتكم والمواساة ركن من أركانها، أن تقفوا في فلسطين موقف الخلي المتفرج، يسمع الأنين فلا يعوج، ويبصر الدمع فلا يكترث!

<<  <  ج:
ص:  >  >>